ليتمكن المرء من أن ينتقد عملا سينمائيا عليه في البداية أن يكون قارئا جيدا ونهما، فالقراءة هي الأساس وليس كثرة مشاهدة الأفلام كما يعتقد البعض، ولن نقول ان انتقاد فيلم عملية معقدة ولكنها تستلزم معرفة كبيرة بالأفلام وتاريخ هذا الفن منذ نشأته، كما تتطلب دراية بالأفلام الكلاسيكية القديمة والحديثة، ولن تأتي المعرفة إلا من خلال القراءة فقط، حيث لا توجد أسس وقواعد محددة في هذا الجانب.
إن هذا الفن في حد ذاته محير، فيتساءل البعض «هل علي حضور ورش عمل في النقد السينمائي؟» قد يكون حضور ورش العمل مفيدا لكن لن يصنع ناقدا، فإذا كنت لا تعلم كيف تشاهد فيلما فلن تكون أبدا ناقدا، وتتأتى تلك الموهبة من خلال إدراكك للعمل الفني من كل مناحيه، ومع التسلح بأدوات تؤهل الناقد لقراءة الفيلم وفهمه فإنه قد يستطيع بعد جهد جهيد أن يمتلك منهجا يمكنه من تحليل عناصر الفيلم وكشف مكوناته الفنية، لكن لا يمكن لقواعد أي منهج بعينه أن تقرأ وتحلل كل الأفلام دون أخذ جنسها وأنواعها وحتى تقنياتها بعين الاعتبار فليست هناك وصفة سحرية.
وفي السطور القادمة نتعرف معا على أساليب أهم النقاد ونظرياتهم.
كان الناقد الوجودي أندريه بازان يعمل على تطوير نظرية سينمائية منطلقا من «كون وجود السينما يسبق جوهرها» وكانت نظريته استنتاجية - قائمة على التطبيق والممارسة - وقد واصل عمله على أكثر من خلال تفحصه النقدي للأنواع الفنية، ومهما تكن النتائج التي استخلصها، فإنها اقتربت مباشرة من تجربة الواقع الملموس للفيلم، وجربت وضع حجر الأساس لنظرية أخلاقية وسينمائية، أخذت أهميتها عند عدد من زملائه في مجلة سينمائية أسسها عام 1951، وهي أكثر المجلات السينمائية أهمية وتأثيرا في تاريخ السينما، وكانت خلال الخمسينيات ومطلع الستينيات، أشبه بمأوى للمثقفين النقاد، أمثال فرانسوا تروفو وجان لوك غودار وكلود شابرول وأريك رومر وجاك ريفيت وغيرهم، وقد ساهم كل هؤلاء مساهمة فعالة في تطوير نظرية بازان.
وفي غضون ذلك، بدأ تروفو وغودار ونقاد آخرون في تطوير نظرية التطبيق النقدي على صفحات المجلة نفسها وشكلوا أيضا، كمخرجين، الرعيل الأول من السينمائيين الذين كانت أعمالهم موضع دراسة متقنة في تاريخ ونظرية السينما، ولم تكن أفلامهم مجرد أمثلة تطبيقية للنظرية وممارستها، بل غالبا ما كانت مقالات نظرية، برهنت لأول مرة على إمكان كتابة نظرية في الأفلام بدلا من طبعها على الورق.
نمت فكرة كتاب جون أور «السينما والحداثة» من محاولة القيام بفهم تفصيلي للتساؤل السينمائي الخاص بالحداثة ومن إعادة قراءة لذلك الجدل العارم في مجلة بازان حول فيلم ألان رينيه «هيروشيما حبيبتي»، لأن النقاد لم يعرفوا وقتئذ أن يضعوا الفيلم في أي مكانة في تاريخ السينما، رغم أنه جدد الإحساس بنقاوة فن السينما، ويحاول المؤلف، بعد ثلاثين عاما، أن يجيب عن السؤال الذي طرح وقتئذ حول نوعية الأفلام التي تجاوزت الأسلوب السردي التقليدي لتصبح سينما المستقبل.