اذا كان القانون المدني لمعظم دول العالم مشتقّ أساساً من القانون الروماني الذي وضعته روما إبان امبراطوريتها المترامية الاطراف، فإن القوانين الاميركية باتت اليوم معولمة بفرض عقوبات على أفراد وشركات ودول بتهم شتى منها الارهاب والفساد وانتهاك حقوق الانسان ... باختصار على أي جهة تعتبرها الولايات المتحدة الاميركية تهديداً لمصلحتها وأمنها القومي.
ولا شك، تستفيد الولايات المتحدة من مكانتها السياسية والاقتصادية والمالية والتكنولوجية ما يساعدها في تطبيق قوانينها سواء قانون "كاتسا" الموجّه لمكافحة خصوم الولايات المتحدة وقانون "ماغنيتسكي لحقوق الانسان والمساءلة" على دول ذات سيادة. وهنا تكمن الاشكالية المطروحة بخصوص مسألة السيادة، اذ اصبح القانون الاميركي يطيح بحصانة أي مواطن لدولة أخرى لا سيما من المسؤولين السياسيين ويضعهم تحت المجهر. وتلعب الاعتبارات السياسية دوراً كبيراً في وضع او تجميد او حذف المتهمين عن قائمة "الرعايا الخاضعين لإدراج خاص" التابع لوزارة الخزانة الاميركية. فالكونغرس الاميركي مثلاً كان قد لوّح باستخدام قانون"ماغنيتسكي" لفرض عقوبات على المتورطين السعوديين باغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول الا ان ذلك لم يؤد الى حسم لاعتبارات العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن والرياض. وحذفت الوزارة ايضاً اسمي وزير العدل عبد الحميد غول والداخلية سليمان سويلو التركيين عن قائمة "الرعايا الخاضعين لإدراج خاص" بعد تسوية الوضع بين الجانبين الاميركي والتركي عقب اطلاق تركيا سراح القس اندرو برونسون.
وبموازاة ذلك، وفي ١٨ تموز الماضي، وبموجب ما يُعرف ب"قانون ماغنيتسكي" فرض "مكتب مراقبة الاصول الاجنبية" التابع لوزارة الخزانة الاميركية عقوبات على اربعة شخصيات عراقية مختلفة الانتماءات الطائفية بارتكابات تعنى بحقوق الانسان والفساد.
المحافظ نوفل حمادي العاكوب كان قد ارتبط اسمه بالاهمال بفعل غرق عبارة في آذار الماضي حيث توفي على اثرها ١٠٠ شخص وكذلك احمد الجبوري بفعل علاقته مع اطراف داخلية مرتبطة بإيران. وكلاهما اتهم بالفساد بالاضافة الى ريان الكلداني ووعد القدو لدورهما في سهل نينوى بتهم عرقلة عودة النازحين وانشطة اعادة الاعمار وفق ما قيل. اما على صعيد ايران وحزب الله، شخصيات وضعت على قائمة "الرعايا الخاضعين لإدراج خاص" ولا عجب من ورود اسماء أخرى نظراً لعلاقة ايران وحلفائها المأزومة مع الولايات المتحدة خاصة بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي واتخاذه خيارات اكثر تشدداً من سلفه باراك باراك.
تكسب القوانين الاميركية قوة تأثير مالية واقتصادية بفعل تقييد الحركة والدور والنشاط للافراد عبر العالم من القدرة على فتح اي حساب مصرفي او تحويل اموال او تسجيل ملكية عقارية في الخارج فضلاً عن اعاقة الاعمال التجارية وخسارة المستثمرين بالاضافة الى العزل الدبلوماسي وشل المسيرة السياسية لشخصيات تمارس الشأن العام فضلاً عن منع الدخول الى الولايات المتحدة.
باختصار، ان استخدام مصطلح "حقوق الانسان" ليس بجديد على الولايات المتحدة في تدخلها تحت عباءته بدءاً من كوسوفو في التسعينيات بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، الا انه بات حاضراً بقوة في السياسات الدولية.