بقلم دعاء خطاب
[email protected]
شهدت «هوليوود الشرق» طفرة جديدة في عالم السينما، ويمكن وصفها بصحوة من أجل الفن الراقي الذي افتقده الجمهور العربي والمصري لعقود بعد رحيل فناني الزمن الجميل، فقد خرج لنا فيلم «الممر» الذي ضم كوكبة من نجوم لم يكن أحد ليتوقع أن يجتمعوا في فيلم واحد على رأسهم النجم أحمد عز ليصوروا لنا ملحمة تاريخية حربية في فترة زمنية أصيب فيها المصريون بالإحباط، داخل حبكة درامية من إبداع شريف عرفة تأليفا وإخراجا، ومن قبله كان فيلم «كازابلانكا» الذي حصد نجاحا منقطع النظير للنجم أمير كرارة، وقد صُدم كل من الجمهور العربي عموما والجمهور المصري خصوصا بمدى التطور الملحوظ في الإخراج والأداء والأكشن الذي يضاهي الى حد ما أفلام هوليوود.
وأطل علينا عمل آخر يستحق الثناء على غرار أفلام الرعب الهوليوودية وهو «الفيل الأزرق 2» المأخوذ عن رواية «الفيل الأزرق» للكاتب والروائي أحمد مراد، حيث نجح الجزء الأول فكتب مراد السيناريو هذه المرة للجزء الثاني من بطولة كريم عبدالعزيز «الدكتور يحيى»، نيللي كريم «لبنى» هند صبري «فريدة» واياد نصار «دكتور أكرم رياض» وظهور خاص لأبطال الجزء الأول خالد الصاوي «شريف الكردي» شيرين رضا «ديجا» وإخراج مروان حامد، وقد حقق هذا الجزء نجاحا مبهرا وذهب إلى مناح لم تخترقها السينما المصرية من قبل خاصة في مجال الـ (CGI) فقد رأينا مؤثرات بصرية مبهرة كتلك التي نشاهدها في أفلام الرعب الأميركية.
الفيلم ممتع لدرجة كبيرة، خاصة من ناحية القصة والحبكة التي تلامس ثقافتنا كشرق أوسطيين، فهو ليس اقتباساً ولكنه رعب نفسي يمزج بين المرض العقلي والمس الشيطاني ولكن بنكهة عربية ومن خلال ثقافتنا الشرق أوسطية، فكان الإخراج ممتازا أما أداء النجوم فيمكن وصفه بأنه أكثر من رائع.
لا يمكن ألا يكون هناك بعض الأخطاء أو العيوب في أي عمل سينمائي، ولكن دعونا نركز على الإيجابيات، فالهدف من هذا الفيلم كان الخوف النفسي أو ما يمكن تسميته بـ «psychology scare» ففي النهاية ليس كل مرض عقلي هو مس شيطاني- اذا اعتبرنا الأخير حقيقة - ولكن الفيلم يتناول مرض الفصام في مراحله المتأخرة في بعض حالات القتل البشعة ومحاولة الوصول لحل تلك القضايا وقد نجح «الفيل الأزرق 2» في ذلك بأسلوب جيد.
في النهاية يبدو أن ذوق الجمهور العربي كان مشتاقا لأفلام كتلك التي ذكرناها.
(رؤية تحليلية)
بعد ترقب وطول انتظار دام لخمس سنوات، كان الجمهور على موعد مع مشاهدة الجزء الثاني من فيلم «الفيل الأزرق»، بعد طرحه في دور العرض الكويتية بالتزامن مع عرضه في مصر، وقد حقق العمل إيرادات تجاوزت الـ 75 مليون جنيه مواصلا نجاحا مستحقا، واستكمالا لمسيرة الجزء الأول بنفس طاقم العمل مع تنكيهه بمشاركة الفنانة هند صبري والفنان إياد نصار ليعيدوا جميعا فك شفرة المعادلة وإعادة صياغتها مرة أخرى، لكن على طريقتهم هذه المرة، خاصة مع تصدي العبقري مروان حامد للإخراج متيحا مساحات تمثيلية لبعض النجوم وإعادة اكتشاف لآخرين، وإسناد مهمة التأليف للكاتب أحمد مراد، وهذه المرة برؤية خارج الصندوق بعيدا عن تحويل النص الروائي إلى سينمائي كما حدث سابقا، ولعل ذلك ما أكسبه مهارة وحرفية جعلته يؤسس نواة لفيلم رعب جيد بذكاء يحسب لصناع العمل.
ثيمة الفيلم
«لا تخافوا.. لكن احذروا»، لعل هذه النصيحة التي تقولها العرافة لوليا (هند صبري) هي تنويه للجمهور قبل بدء المشاهدة، فعلى الرغم من أن الفيلم لا يمكن تصنيفه على أنه رعب صريح فهو أقرب إلى الإثارة والتشويق، ولم يخل من الكوميديا في بعض المحطات، ونحن هنا أمام حالة استثنائية متكاملة العناصر الفنية، بداية من الرؤية البصرية والسمعية والمؤثرات الصوتية والمونتاج والملابس، حتى ان «الغرافيكس»، الذي وضع بلمسات شركة ألمانية، كان أحد مراكز القوة في العمل، ولا يمكن إغفال دور البوستر الدعائي الذي طرحته شركة «سينرجي» المنتجة وظهر فيه الثلاثي كريم عبدالعزيز ونيللي كريم وهند صبري، كل على حدة مقلوبا رأسا على عقب في إشارة إلى ما تؤول إليه أحداث الفصل الجديد وهو ما تجسده المشاهد الأبرز لهند صبري حين تتسلق الجدران وتطير في سقف غرفة العزل وقد كشفت عنه مسبقا عبر حسابها على «انستغرام»، حين استعانت بمدربين ساعدوها على اتقان التعبيرات الحركية، كما أن ملابسها ومكياجها في شخصية العرافة «لوليا» لم يقلا أهمية عن تسيدها للموقف بأدائها وبراعة تمثيلها على طريقة السهل الممتنع، فكيف لفنان أن يجبرك على بغضه وكرهه في دور واحد دور (لوليا) ويعود ويستجدي عواطفك لتتأثر به في دور «فريدة»؟ إلا نجمة بحجم هند صبري تستحق لقب «غول» أو «جن» تمثيل بحق، وكان لأغنية الشعر الأمازيغى التي قدمتها هند الراوي وقع مختلف وأضافت الموسيقى التصويرية التي أبدعها هشام نزيه حالة من التوحد بين الصوت والصورة.
أوراق رابحة
أما كريم عبدالعزيز فاتخذ لنفسه نهجا مغايرا عن الآخرين، وبات الآن يدرس خطواته فلا نجد أن طريقة تمثيله يجيدها غيره، ولعل علامات الزمن التي أصبحت ظاهرة على وجهه ولونت خصال شعره بالأبيض ما هي إلا علامة على نضج فني وإنساني أحسن تطويعها ليخدم شخصيته كطبيب نفسي كاد يلامس حافة الجنون أو هكذا هو، تزوج من حبيبته لبنى (نيللي كريم) منذ الفصل الأول، ومتهم بالسكر والإدمان، ويلتقى بمن يتلاعب بحياة أسرته، فيستعين بحبوب الفيل الأزرق التي تسافر به لأزمنة ماضية، وتطلعه على ما سيحدث في المستقبل ليستطيع فك لغزه، وهو ما جاء على لسان «لوليا» بأن الجان خادم المرآة لا يقدم صورة كاذبة لكنها معكوسة.
وكان الدور المركب الذي لعبته الفنانة نيللي كريم تأكيدا على موهبة، حيث تفردت بإتقان الغوص داخل أبعادها وقد يكون تكرار أداء نيللي لهذا النوع من الأدوار ساهم في سلاسة وسهولة أدائها له على طريقة «اللاتمثيل»، وهو ما ينطبق على النجم إياد نصار الذي لم تتح له مساحة الدور وسطحيته الى حد ما من استعراض كل مهاراته، كما أن بعض الغموض كان شائبا لتفاصيل مرتبطة بدوره لم تفك شفرتها كتشكيك «فريدة» في نسبه لأبيه، وربما كان للمؤلف أو المخرج غرض بذلك لإعطائه مساحة وتفاصيل أكثر في الجزء الثالث المرتقب.
فك اللغز
ظهور موفق لمروان يونس في دور شاب يعمل بإحدى الملاهي الليلة، في أولى تجاربه السينمائية، ويبشر بنجومية واعدة تتلمس خطاها بحذر، وكانت خفة ظلة عنصرا مهما في إحدى المحطات التي يحتاج المشاهد فيها الى أخذ هدنة لتخفيف حدة الادرينالين المنبعثة من توتر الأحداث، كذلك أدت النجمة تارا دورها بانسيابية شديدة ولافتة فكان المشهد الذي جمعها مع الفنان كريم عبدالعزيز وتلقى خلاله ركلة منها متميزا ويبشر بسطوع نجمة أكشن بمواصفات مختلفة.
وعلى الرغم من وهج الفنانة شرين رضا (ديجا راسمة التاتو) وتمحور جزء من الأحداث حولها إلا أن هذا الوهج خفت بشدة في الجزء الثاني للعمل، فلم يضف ظهورها كثيرا إلا عبر رسائل شفهية خلت من التمثيل، وعلى النقيض فقد لعب ظهور الفنان خالد الصاوي (شريف) دور حلقة الوصل بين الفصل الأول والثاني، حيث كشف خلال مشهده المتواضع في المصحة النفسية، أن الروح التي كانت بداخله لم تحترق، وسلم لـ «يحيى» طرف الخيط عبر تعويذة منقوصة ومعكوسة «كلام يحمي شرع نجلا»، وقد كشف الصاوي عبر صفحته على «فيسبوك»، أنها مجرد كلمات عربية اخترعها مع المخرج لحبكة الفيلم وليست تعزيمة عبرية كما أشيع، وعلى أي حال فإن ظهور فنان بحجم وموهبة الصاوي كفيل بسحر الجمهور والسيطرة على حواسه حتى لو لم يتعد ظهوره على الشاشة دقائق معدودة.