لارا الهاشم -
اطل النائب جورج عدوان بعد اجتماع لجنة الادارة والعدل يوم امس، ليبشّر اللبنانيين بأنه وبنتيجة متابعة اللجنة مع الجهات الوزراية المعنية اُنزلت عقوبات بحق ١٥ مخلص جمركي في الجمارك، لأول مرة "ولو أن التهريب هو في أمور أكبر". كما بأن اللجنة ستضع في ١٥ أيلول بمتناول الرأي العام تقارير حول تطوّر الأمور لناحية ضبط التهريب، منذ أشهر حتى تاريخه.
كلام عدوان هذا لا ينفصل عن الهجوم المتواصل على الاجهزة الامنية والعسكرية لاسيما تلك المحسوبة على العهد او الخاضعة لإمرته. فتارة يُهاجَم الجيش باتهامه بالتستر على تفلت الحدود وطورا يُصوّب على الجمارك للايحاء بعدم مكافحتها للتهريب.
وهنا تستغرب مصادر مطلعة نسبَ كل الجهود المبذولة من قبل المديرية العامة للجمارك باشراف من رئيس الجمهورية وبقرارات حازمة منه، للجنة الإدارة والعدل.
فمنذ أشهر عُقد اجتماع مطوّل في القصر الجمهوري بين الرئيس ميشال عون وفريق عمله، جرى خلاله البحث في وضع خطة للحد من التهرّب الجمركي ووجوب تطبيق قانون مكافحة تبييض الأموال على المهرّبين. كان ذلك نتيجة دراسة أعدّت من قبل الفريق الاستشاري، اعتبرت أن التهرّب هو جرم جزائي قائم بحد ذاته لا يمكن لإدارة الجمارك التعاطي معه بعد اليوم على أساس المصالحات التي كانت قائمة بموجب القانون. وبناء عليه تم وضع القانون حيز التنفيذ بحيث باشر عدد من القضاة بتطبيقه على المرتكبين. علما ان العقوبة تقضي بالسجن لسبع سنوات الى جانب حجز الاموال للمهربين والتجار . في ذاك الإجتماع أيضا جرى الاتفاق على وضع خطة مشتركة بين أمن الدولة والجمارك تسمح بضبط التهريب في الداخل من خلال النقاط المعروفة التي تصب فيها جميع الشاحنات وليس بالضرورة على طرف الحدود وذلك بتوجيهات من الرئيس عون انطلاقاً من خبراته العسكرية الذي حدد هو شخصيا النقاط التي تمر بها الشاحنات.
وتضيف المصادر أن هذا الإجتماع استكمل بآخر بين مدير عام الجمارك بدري ضاهر ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا في حضور مستشار الرئيس لوضع الآليات التنفيذية للتعاون بين الجهازين.
علما ان أمن الدولة سيؤازر بعديده عناصر الجمارك عند مداخل جبل لبنان من خلال اشراك وتخصيص قوة لضبط التهريب .
وبعيداً عن المزايدات السياسية والهجوم القواتي الذي بدأ منذ صدور القرار القضائي بكف يد عضو المجلس الأعلى للجمارك القواتية غراسيا القزي بحسب مصادر tayyar.org، توضح الاخيرة عدداً من النقاط الأساسية التي تدحض كلام عدوان.
فتوقيف المخلصين الجمركيين بدأ مع مخلص محسوب على العهد لارتكابه مخالفة كبيرة، بناء على طلب من القصر الجمهوري حتى يكون عبرة لغيره. وفي موضوع مكافحة التهريب، تلفت المصادر عينها إلى أن الجمارك هي الإدارة الوحيدة في لبنان التي ارتفعت ايراداتها في العام ٢٠١٨ حتى بلغ التحسن نسبة ٢٥% على الرغم من تراجع الاستيراد نسبة ٢٠%، في وقت تراجعت فيه ايرادات ضريبة الدخل والاتصالات.
أما بالنسبة للعوائق فحدّث ولا حرج. هنا تذكّر المصادر بأن المدير العام للجمارك بدري ضاهر اعتمد تبسيط الاجراءات الجمركية منذ عامين على أكثر من صعيد. في حين أن الاطراف السياسية الاخرى الممثلة جميعها في المجلس الاعلى للجمارك، تضع العراقيل في وجه الآليات التنفيذية بحسب المصادر. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ان أهم عامل لضبط التهريب البري هو زيادة عديد الجمارك كون النقص هو بنسبة ٦٠%، رغم أن عشرات عمليات ضبط التهريب تتم أسبوعيا بعديد لا يتجاوز الخمسين عنصراً على كامل الاراضي اللبنانية.
عند هذا الحد تسأل المصادر عينها النائب عدوان عن الجهة التي تقف وراء ايقاف اصدار نتائج مباريات الخفراء. فهل السبب هو اشتراط إحدى الاطراف السياسية وجود لائحة مقفلة من طائفة معينة تم رفضها من قبل ضاهر، الذي أصرّ على مراعات مبدأ الكفاءة والمناصفة أسوة بالاجهزة العسكرية الأخرى.
اما بالنسبة لحجم التهرب الجمركي عبر المعابر الجمركية البالغ مليار دولار بحسب رئيس لجنة الادارة والعدل في تصريح سابق له، فتعتبر المصادر أنه مضخم. "لاسيما ان حوالى نصف الواردات هو عبارة عن سيارات ومواد ومشتقات نفطية لا يمكن التلاعب بها وجزء من النصف الاخر يخضع لاعفاءات جمركية نتيجة اتفاقيات الشراكة الاوروبية والعربية.
فالتهريب بقيمة مليار دولار يَفترض ان تبلغ قيمة الاستيراد الغير مصرّح به حوالى ال ٨مليار دولار، ما سيرفع من قيمة الاستيراد الى ٢٨ مليار دولار سنويا وهو ما يناقض حركة الحوالات المصرفية البالغة ٢٠ مليار دولار".
لكن بمعزل عن الرقم المتداول، تشير المصادر إلى أن المديرية العامة للجمارك بالتنسيق مع القصر الجمهوري سبق أن طرحت خمسة حلول لضبط التلاعب بالفواتير وهي: أولا تركيب أجهزة سكانر على جميع البوابات الجمركية تُدفع من فائض رسم الخدمات من دون تكبيد المواطن اعباء اضافية.
ثانيا: تغيير آلية عمل المركز الالي والنظام المعتمد حاليا بالاستهداف الذي يجعل الكشف الدقيق مستحيلا، واستبداله بنظام استهداف متطور يكتشف التلاعب بطريقة الذكاء الاصطناعي و يضبط الشركات الوهمية. ثالثا: توقيف الشركات الوهمية عن العمل والتشدد في العقوبات بحق المخلصين الجمركيين وهو ما بدأ يحصل مؤخرا وللمرة الاولى في تاريخ الجمارك باشراف ومتابعة فريق عمل رئيس الجمهورية. رابعا: الاستعانة بشركات تدقيق عالمية لضبط الفواتير قبل التصدير علماً أنه تم رفع طلب خطي بذلك منذ اكثر من سنة. خامسا: التبادل الالكتروني للمعلومات الجمركية بين لبنان والخارج لتبادل بيانات التصدير، كون البيانات المصدقة كالفواتير هي قابلة للتزوير فيما التبادل الكتروني بين السلطات هو أكثر دقة. وقد اُرسل كتاب وطلب من قبل ضاهر في هذا الإطار.
اذا ازاء كل هذه المعطيات، هل يبدو من السهل التصديق أن هذا الهجوم هو خارج إطار السياسة، أم أن البعض يوزّع التهم من دون الاستناد الى معطيات موثوقة فيما ممثلوه في المجلس الأعلى للجمارك يخالفون القرارات القضائية بحقهم.