يا سيّدة العالم، أنّى للتراب أن يلامس طهرك وأنا ملقى ومرميّ في دياجير ظلمتي. لا أجسر أن أدنو إلى البهاء فيك لأنّك أنت البهاء. وقد غشيتني خطايا العمر. نشيد أبكاني ترنّمه كنيسة حبيبة حفظته منذ صباي، قال فيه الشاعر:
"يا مريم البكر فقت
الشمس والقمر
وكلّ نجم بأفلاك
السماء سرى
يا نجمة الصبح شعّ
في معابدنا
ونوّري عقلنا
والسمع والبصر....
على غرار هذا الشعر الكثيف الدعاء، كان للقديس نكتاريوس أن يكتب نشيدًا آخر حرّك ويحرّك فيّ التوبة قال فيه:
"عذراء يا أمّ الإله يا طاهرة نقيّة افرحي يا عروسًا لا عروس لها
دحصلّي إلى ابنك الإله أن يرأف عليّ افرحي يا عروسًا لا عروس لها.
لا تهمليني في الحياة أن أغرق في الخطيئة افرحي يا عروسًا لا عروس لها..."
أيتها العروس البكر، في بداءة التكوين، كانت الغواية ساحقة. كانت تختطفنا إلى محطّات أمسى فيها الفردوس حنينًا، أو مجرّد حنين. ما هو الفردوس؟ إنه الأزليّة المشتاقة إلى علوّنا بعدما سقطنا ليدركنا البلى. جئت مريم إلى هذا الوسط فصار بطنك أرحب من السماوات بعدما حلّ فيه الفردوس ليغدو وجهًا مضيئًا الكون، فاستيقظنا ضمن تكوين وخلق جديدين لنستعيد بهاء الحضور ونضارة الفكر وألق الابتداع.
أنت يا سيدة أدنيت الفراديس بجمالات الخلق الجديد. ليس أحلى ولا أبهى من أن تكوني أمًّا حاوية كل جمالات الأبد وضامنة بأمومتك كلّ من ولد في المسيح يسوع، ليكونوا معكما في الفردوس.
ليست عباداتنا يا سيدتي مجرد ترف ولا هي خوف. محبتنا للرب ولك تتخطّى كل خوف لن نخشى شيئًا بعدما كتبنا الرب بلاهوته ومسحنا بميرونه وبعدما حفظنا بأمومتك الطاهرة.
كان الموت يختطفنا ويوجعنا ويقضّ مضاجعنا. كنّا ترابًا وسرابًا... كان القبر هاجسًا مرعبًا يسود علينا، إنه مقرّ الصمت الأبديّ. لكن بعد فصح الرب صار القبر مدى الانتقال. أنت استلمت فصح المسيح، صار فيك ينبوع حياة وفرح غدا معك وعد قيامة لنا. وفي رقادك وانتقالك لم بعد الوعد وعدًا بل ميثاقً وعهدًا بأننا سالكون إلى وجه الحبيب.
وبعد يا سيدة عهدي أن أحفظ الكلمة. لكن لا تهمليني في لحظات الشدّة والخوف، وإذا اجتاحتني الخطايا تعالي إلي وامسكي بيدي حتّى لا أبدو بها مخلّعًا. اسكبي ينابيع الخير والحق والجمال في ذاتي، أعطني أن أدرك أنّ لي عمرًا جديدًا أعيشه هنا وأرنو به إلى السماوات.
وبعد ماذا أطلب؟ عمري ليس سوى الحلم بأن أراك وأغفو على أرائك طهرك. عمري أن أعيش سلام الرب في قلبي وروحي وعقلي. عمري أن أحفظ مع عائلتي بوحدانية المحبة. عمري أن أكون إنسانًا جديدًا لحياة جديدة.
يا مريم والدة الإله الكليّة القداسة في رقادك ثبّتي إيماني لأبقى قويًّ بوجه العواصف الهوجاء. وصلّي إلى ابنك الحبيب لكي يحفظ لبنان وجواره المشرقيّ بأمن وسلام وليعيد القدس إلى وجهه وأنت قدس الأقداس للسيد ولنا جميعًا.
يا مريم أمي، في عيد رقادك، افرحي يا عروسة لا عروس لها.
آمين.