اتفق الجانبان الاميركي والتركي على انشاء منطقة آمنة في شمال سوريا تمتد من جرابلس الى اعزاز عبر غرفة عمليات مشتركة، وهي المنطقة التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني بشكل يعيد الى الاذهان لعبة القوة والمصالح بين الدول التي يذهب ضحيتها شعوب ناضلت دفاعاً عن هويتها وقوميتها.
وفي حين، شكلت هذه الخطوة مطلباً تركياً منذ اندلاع الازمة السورية لما تراه مزعزعاً لأمنها القومي بحجة الارهاب من خلال تواجد عناصر "حزب العمال الكردستاني" على الحدود معها، الا ان اللحظة الدولية تبدو ناضجة الآن بتفهم اميركي واضح وروسي على ما يبدو للدوافع الامنية التركية والاستراتيجية كذلك بالمحافظة على الدول المركزية بحدودها الحالية مع العلم ان الاكراد هم من يدفع مجدداً ثمن احلام الدولة المستقلة اي دولة "كردستان" الممتدة من سوريا الى تركيا فالعراق وايران. ولا شك، كان على الاكراد في سوريا ان يتعظوا من حدث سابق حصل لأقرانهم وهو الرفض الاقليمي والدولي لنتائج استفتاء انفصال كردستان عن العراق في ٢٥ ايلول ٢٠١٧ على الرغم من ان النسبة بلغت ٩٢٪ حيث يظهر ان الارادة الداخلية وان توافرت لصنع التغيير فإنه ينقصها الارادة الدولية لينجز الامر. وبالعودة الى استفتاء كردستان ٢٠١٧ الذي رفضته الادارة الاميركية حيث وصفه وزير خارجيتها يومها ريكس تيلرسون ب"الاحادي" وقال "ان التصويت والنتيجة يفتقران الى الشرعية" و "ان بلاده تواصل دعم عراق موحّد واتحادي وديمقراطي ومزدهر". اما ايران فقد اغلقت حدودها مع الاقليم واوقفت نقل المشتقات النفطية معتبرة ان الامر سيؤدي الى "فوضى سياسية بالمنطقة"، كما رفضت تركيا الاستفتاء ملوّحة بإجراءات وتدابير سياسية واقتصادية. وهكذا وإن اختلفت القوى الدولية والاقليمية وتصارعت على الاراضي السورية فإنها تتفق كلما تقاطعت مصالحها لكن السؤال الذي يُطرح حول موقف النظام السوري من المنطقة الآمنة؟
تنظر سوريا الى جوارها بعين الريبة لما تعتبره من اطماع يهدّد امنها سواء من خلال اقتطاع "لواء الاسكندرون" (محافظة هاتاي) وضمه الى تركيا برعاية فرنسية سنة ١٩٣٦ او احتلال الجولان من قبل اسرائيل وضمه برعاية اميركية. وقد شابت العلاقات السورية التركية توترا غير مسبوق بفعل دعم سوريا لحزب العمال الكردستاني الى ان وقّع الجانبان اتفاقاً عُرف ب"اتفاق اضنة" في العام ١٩٩٨ بوساطة مصرية وايرانية. وقد نصّ الملحق الرابع منه على ان الاتفاق يعطي "تركيا الحق في اتخاذ جميع الاجراءات الامنية اللازمة داخل الاراضي السورية حتى عمق ٥ كلم"، وقد لوّح الرئيس رجب طيب اردوغان بوضع الاتفاق المذكور قيد البحث مجدداً في لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث يطالب الجانب التركي بإنشاء المنطقة الآمنة بعرض بين ٣٠ و٤٠ كلم وفق وزير الدفاع التركي خلوصي آكار.
وفي الوقت الذي أكّد فيه الرئيس رجب طيب اردوغان ان المنطقة ستكون "ممرّ سلام" لعودة اللاجئين السوريين الى بلادهم فهل ستتحوّل الى "منطقة عازلة"داخل الاراضي السورية بحماية مشتركة اميركية- تركية؟! وهل ستكون مقدمة لمناطق عازلة أخرى تمهيداً لعودة اللاجئين "المعارضين" بالتزامن مع الحل السياسي؟! واي سيادة لسوريا في ظل وجود مناطق نفوذ خارجية على اراضيها؟!
وهكذا فإن كان المتضرر الاكبر هم الاكراد في حلمهم التاريخي، فإن النظام السوري لن يستسيغ فكرة التجزئة والتفصيل والتقسيم فهل سنتجه الى تسوية سياسية كاملة ام ان الازمة ستطول؟!