تمام سلام عائدٌ إلى رئاسة الحكومة
2019-08-01 11:16:06
"" - قاسم يوسفعوّدنا تمام سلام على دقة وطنية موصوفة، وعلى استقامة سياسية لا ترقى إليها شائبة. وهو قبل هذا وبعده، مزيجٌ من الهدوء والرصانة والحصافة. قليل الكلام كثير الحكمة والصبر والأصول. عرفناه وتعرّفنا اليه كلما اشتدت المحن وعصفت العواصف، حيث لا بدّ أن يكون هناك، مُتسمرًا بالحق والحقيقة، ولا يخاف في لبنانيته لومة لائم.في انتخابات عام 1992، وإثر مقاطعة مسيحية شاملة، وقف تمام سلام إلى جانب الصيغة والميثاق، وإلى جانب لبنان الذي لا يُمكن أن يعيش إلا بجناحيه. هذا كلامٌ لم يكتبه الرجل يومذاك على ورقٍ، بل حفره حفرًا في ناصية التاريخ، وهو في ذلك لا يبيع موقفًا بقدر ما اشترى أزمة وتهميشًا، لكن الكرامة كانت إرثه وبوصلته وحقيقته المُطلقة، وقد ورثها عن والده، ذاك الشجاع العنيد الذي لم يُفارق طيفه يومًا وجه بيروت. أمس، أصدر الرجل بيانًا مُدوّيًا. أظنه يصلح أن يُشكل وثيقة تأسيسية لأي معارضة جدية. لكن أهميته القصوى تكمن في توقيته، حيث أتى عقب زيارة استثنائية إلى الرياض، مع ما يعنيه ذلك في المضامين السياسية، ناهيك عن إشارة بالغة الدقة والأهمية والوضوح باتجاه وليد جنبلاط، الذي خصّصه بإشادة معنوية لافتة في شكلها وفي مضمونها، وقطعًا في توقيتها.قارب تمام سلام جوهر الأزمة، والقى بكلّ ثقله على عناوينها العريضة، انطلاقًا من مسارٍ انحداري بدأ مع التسوية الرئاسية، مرورًا بحالة من الفوضى السياسية المنظمة والمدروسة، والتي تستهدف أولاً وقبل كل شيء العقد السياسي والاجتماعي الذي حسمه الدستور واتفاق الطائف، وصولاً إلى الإصرار الفظيع على قضم صلاحيات رئيس الحكومة، عبر فرض سلسلة من الوقائع والأعراف والمفاهيم التي تُخل بجوهر النظام وتركيبته وحساسيته المفرطة.هذه العناوين بمضامينها العميقة، لم تكن بعيدة عن مواقفه السياسية الواضحة، والتي عبّر عنها مرارًا وتكرارًا في حوارات صحافية خلال الأشهر القليلة الماضية، لكن أهميتها تكمن في طريقة إخراجها وبلورتها، أي عبر بيان رسمي، وهذا بحد ذاته محط اهتمام وتدقيق ومتابعة، لا سيما في ظل تقاطعات جديّة تُشير إلى دور محوري وكبير سيلعبه تمام سلام في المرحلة المقبلة.أصل هذا الدور يعود بحسب العارفين إلى إدراكٍ كاملٍ، في الداخل وفي الخارج، بعجز سعد الحريري عن مواكبة المرحلة، وعن استعادة الحد الأدنى من التوازن في ظل الوضع القائم، وهذا ما يفرض تغييرًا موضعيًا يُتيح إعادة انتاج العملية السياسية ضمن الخطوط العريضة للتسوية الراهنة، وتحت سقف الاستقرار الداخلي، أي بموافقة سعد الحريري، ولو على مضض.بورصات الأسماء المتدوالة، تؤشر جميعها إلى أريحية تمام سلام في ظل ندرة الخيارات البديلة، وهذا يعود إلى سلسلة من الأسباب والمعطيات، والتي تبدأ بسيرة الرجل وشخصيته وصلابته وتجربته الفريدة في رئاسة الحكومة خلال مرحلة دقيقة وحساسة من تاريخ لبنان، فضلاً عن علاقاته السويّة والممتازة مع مختلف الأطراف الفاعلة داخليًا وخارجيًا، لكن ذلك لا ينفي وجود محاولات مكثفة في الكواليس لتعويم بعض الشخصيات ورفع أسهمها، وعلى رأس هؤلاء يحضر إسم محمد الصفدي ونجيب ميقاتي، وعلى سبيل المزاح: شاكر البرجاوي!كلّ المؤشرات تدلّ على تغيير مرتقب، فيما الأسئلة المطروحة تتمحور حول توقيت استقالة سعد الحريري وطريقة التفاعل معها، لا سيما في موازاة وضعٍ اقليمي ودولي بات يرزح برمّته فوق صفيح مشتعل، ناهيك عن أنّ بيار فتوش وطلال ارسلان غاضبان من وليد جنبلاط، وعلى سبيل المزاح أيضًا، يعطلان الحكومة.
وكالات