في مقالات ودراسات مشبوهة التمويل والإنتماء والتوجه والثقافة تتلاحق الدعوات للفلسطينين الى الرضوخ لمنطق الهزيمة وإلى التعامل بواقعية مع القوة الأمريكية الأعظم على وجه الأرض (كما يصفونها) وإلى الرضى بما يمن عليهم الكيان الصهيوني المدعوم من كل الدول الأوروبية ومهاجمين وساخرين من كل شعارات ومواقف وممارسات المقاومين الممانعين لمنطق الإستسلام من القوميين واليساريين والمتأسلمين سنة وشيعة (وفق توصيفهم أيضا)المؤمنين بتحرير فلسطين مضيفين نغمة جديدة بتقسيم العرب اعرب الشمال (حسب تقسيم بعض الكتاب الصحفيين ومنهم محمد ال الشيخ بعنصرية تنم عن عقدة نقص ودونية مريضة)منبهين الفلسطينين أن لا قِبل لهم بقوة ونفوذ اللوبي اليهودي في العالم وبالتالي ما عليهم سوى الإستسلام ,ومنهم من يتقيأ نذالة ناصحا (بقي أن أقول للإخوة الفلسطينيين إن التعنت والمكابرة والرهان على الغوغائيين العرب مسألة خاسرة،….)وموجها تهديدا مباشرا بأن أحدا (لن يدفع ثمن هذا التعنت والمكابرة إلا أنتم منفردين في نهاية المطاف).
هذه الرؤية لا تمثل كاتبا واحدا أو ثلة على عدد أصابع اليد إنما هي منظومة متكاملة بتوجهها ومبرمجة للعمل على خلخلة الوعي العربي بذاته وبقضاياه وكذلك لا يجسد هؤلاء المرتزقة أنفسهم بقدر ما يجسدون هزيمة النظام العربي نفسه بكل أدواته الثقافية والنفسية والحركية وقد أضافت الحروب المنتشرة على مساحة الوطن العربي نقطة قوة تصب في مصلحة تبريرالمواقف التي تمثل تاريخيا وجهة نظر الساقطين حتى قبل أن تبدأ المعركة ,فالساحة مليئة بأمثاله ممن ينشرون روح اليأس في بقية تدرك أن الأزمة التي تعصف بالوطن العربي برغم عمقها وتشعبها إلا أنها ليست نهاية التاريخ وليست قدرا لامفر منه ,فالبديل عن الخطاب القومي هو الخطاب المذهبي والطائفي والأثني والبديل عن الإنتماء للأمة هو الإنتماء لأحلام كيانات عنصرية ضيقة والبديل عن العروبة هي القطرية التي لا تملك مقومات وجودها وتماسكها والبديل عن طموحات الوحدة هو طموح تكريس الدويلات المتناثرة والمتناحرة والبديل عن الصمود في وجه الأزمة الوجودية التي تعصف بالأمة هو اﻹستسلام والخروج من التاريخ والجغرافية والبديل عن المقاومة والتمسك بالحق وإن قل طلابه وأرهق المرتهنون وعورة المسلك هو التخلي عن الهوية وعن اﻹنتماء وتجيف جسد اﻷمة فالمقاومة والصبر والإعتصام بحبل إرادة النضال والثقة بالله هو الروح التي تضخ الحياة في هذا الجسد مهما هزل او ضعف أو تناهشته اﻷوبئة واﻷمراض.
لم تكن البداية في كشف المستور من نوايا الأنظمة الرجعية في تغليب منطق الإستسلام مع إعلان السادات أن 99 بالمئة من أوراق الحل في يد أمريكا بل سابقة له بأشواط زمنية ولكن وجود قوى مقاومة رادعة كانت تقف سدا في وجه الباصمين على شرعية الكيان الصهيوني وتوازن القوى الدولية ساهم في لجم اندفاعة هذه الأنظمة نحو التسليم المطلق لتقوم بأدوار أكثر خبثا وتخريبا وحرف طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني وسخطه ليصبح ثقافة مقبولة أنه مجرد نزاع قابل للحل تحت عناوين شتى أثبتت الأيام وما زالت تثبت كل يوم أنها مجرد أوهام وعبث لا جدوى منه سوى المزيد من التسليم بقضاء أمريكا وقدر الكيان الصهيوني ورمي كل الأوراق دون الإحتفاظ حتى بواحد في المئة في السلة الصهيو_أمريكية وليعطوهم أكثر بكثير من المتوقع حتى من العدو نفسه .
يتوهم المتوهمون اليوم أن صفقة القرن بدعة جديدة وخيار وحيد أمام العرب متجاهلين حقيقة التاريخ وطبيعة الصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني الذي تمنحه صفقة القرن فيما لو تمت لا سمح الله سيجعل منها الإمبراطورية العظمى في الشرق الأوسط ومن حولها مجرد دويلات متناحرة ومشيخات وإمارات تسبح بحمد أمريكا وتركن لحماية الكيان الصهيوني وقوتها العسكرية لعدو موهوم للأمة يشكل خطرا على وجودها مما يجعل اللجوء وطلب الحماية بل ودفع الجزية للكيان الصهيوني وفق التسريبات حول بعض نقاط صفقة القرن ومآلاتها ضرورة حتمية وخيارا لا بد منه.
فما تسرب حتى اليوم من أهم نقاط هذه الصفقة لم يصل لمستوى طروحات سابقة حول حل الدولتين أو لمستوى المشروع العربي للحل الذي تضمنته المبادرة العربية للسلام في القمة العربية في بيروت عام 2002 التي قدمها الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز وبالرغم من تواضع بنودها والتنازلات التي قدمها العرب فيها والذي تتضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية
وعودة اللاجئين والإنسحاب من هضبة الجولان ,و ما أكده مسار الأحداث حيث يثبت أن الصهيوني وعرابه الأمريكي قد نسفوا حتى أقل من جزء من الحق العربي والفلسطيني,فوفق التسريبات لهذه الصفقة لا دولة فلسطينية بالمعنى الكامل للكلمة ولا ضفة غربية من ضمن هذه الدولة ولا قدس شرقية ولا عودة لللاجئين ,فإعلان يهودية الدولة وإعلان ضم القدس وضم الجولان يدل بما لايقبل الشك أن ما يسمى صفقة القرن ليس إلا إعلان استسلام كامل ينفذ مطالب صهيونية وأجندة سابقة على قيام الكيان نفسه
,ووفق التسريبات أيضا ,أن (إسرائيل العظمى) ستتكفل بحماية شبه الدويلة الفلسطينية المزعومة وتحالف عربي معها واسع الطيف إقتصاديا وسياسيا وأمنيا وعسكريا مع الأنظمة المنخرطة في صفقة الإستسلام والتسليم بها كحامية لهم كونها القوة العسكرية الأقوى في المشرق ,فأي سلام وأي مشروعية ومن أين يستمدونها للإذعان والرضوخ للإملاءات الصهيو_أمريكية وتنفيذ مطالبهما وبتمويل من المال العربي نفسه وحتى من الدم العربي الذي يستنزف منذ بداية (الربيع العبري) الذي جاء تمهيدا لما هو الحال عليه اليوم.
لا شك أن أمريكا والكيان الصهيوني وتوابعهما من الأراجوزات العربية يدركون جيدا أن ليس من السهل ولا اليسبر أن تكتمل هذه المذبحة للهوية العربية عموما والفلسطينية خصوصا بهذا النصر العظيم لهم بتصفية القضية الفلسطينية والمزيد من التمزيق والتفتت للأمة العربية وإخراجها من التاريخ وإفناءها حضاريا وثقافيا وسياسيا والسيطرة المطلقة على العالم العربي بثرواته الظاهرة والباطنة,لأن هذا المنطق مناف لصيرورة التاريخ ومناقض لطبيعة العربي بمسلميه ومسيحييه وكل أطيافه ويتعارض ويصطدم بثقافة المقاومة والتوق الى الحرية والكرامة والنهوض رغم قساوة المؤامرة وتكالب الأمم البعيدة والقريبة ومظاهرة بعض أبناء جلدتنا لعدو تاريخي ووجودي,فثقافة المقاومة المتجذرة والراسخة في صوابية فهمها لمستوى الصراع مع الكيان الصهيوني وطبيعته الإلغائية لن تقف مكتوفة الأيدي من لبنان إلى فلسطين إلى سورية وإلى كل بقعة من الوطن العربي الذي يزخر بطاقات هائلة للرفض ويملك الإرادة واليقين بمشروعية نضاله وجهاده ولديه الرؤية الواضحة لمخاطر أي وهم سلام مع كيان قائم على الأساطير والخرافات وتزوير التاريخ بالرغم من امتلاكه لأدوات القوة من قدرات عسكرية وإعلامية واقتصادية ولوبيات تفرض اجندتها وتحكم قبضتها على قوى وحكومات عالمية وتتحكم بتوجيه رأيه العام نحو أهدافها,وبالرغم من ذلك ,قد يكون القادم صعبا وقاسيا ومرا ولكنه بالتأكيد ليس أصعب وأقسى وأمر من الإستسلام للهزيمة والرضى بواقع يفرض عليها ,المقاومة ليست طفرة عابرة ولا مزاج يتبدل بظروف الزمان بل هي حقيقة فكرا وعملا ونهجا مخضبا بالدم ,ومهما كانت المؤامرات لم يحدث أن انهزم شعب يتمسك بحقه في الحياة وفي الوجود بعزة وكرامة (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).