على اعتبار أن السينما ولدت من رحم المسرح وجب علينا أن نتناول هذا المصطلح «الميزانسين»، وهذا المصطلح مسرحي في الأصل مشتق عن الكلمة الفرنسية «Mise-en-scène»، وهي عملية بناء المشهد أو اللقطة.
وكان «الميزانسين» يستخدم في المسرح من قبل المخرج، حيث يقوم بتوزيع الممثلين على خشبة المسرح من زاوية تسمح للمتفرج برؤيتهم من كل النواحي ومتابعة تعبيراتهم وحركاتهم والحوار.
وبعد ميلاد السينما كفن حديث من فنون العرض، وجد المخرجون الأوائل ضرورة استخدام «الميزانسين» في بناء اللقطة، ففي المسرح يعد «الميزانسين» بناء مشهد وفي السينما بناء لقطة، وقبل أن نخوض في شرح هذه العملية يجب علينا أن نفهم الفرق بين الإخراج المسرحي ووليده السينمائي، فكل من الفنين مرتبط بالمتفرج، فنجد أن المتفرج المسرحي يتعين عليه استنباط العام من الخاص أي انه (المتفرج) يعتمد على خياله في الاستنباط، والعكس في السينما، حيث ان المشاهد لا يعتمد على مخيلته فهو يرى كل شيء على الشاشة ولذلك لا بد أن يكون بناء اللقطة السينمائية مختلفا.
من أوائل من تبنوا فكرة «الميزانسين» السينمائي هو العبقري السوفييتي ميخائيل روم الذي يعتبر من أهم المخرجين السينمائيين في الحقبة السوفييتية، وهو بالإضافة الى عمله بالإخراج وكتابة السيناريو، كان من ابرز الذين اشتغلوا على النظرية السينمائية في محاولة للكشف عن إمكانيات وخواص وطبيعة وآفاق فن السينما، كما قام ميخائيل روم بالتدريس لعشرات السنين بمعهد السينما بموسكو وتخرج على يديه بعض افضل السينمائيين السوفييت، ومنهم اندريه تاركوفسكي وميكايلكوف كونتشالوفسكي، وكانت محاضراته وكتابه «أحاديث حول الإخراج السينمائي» موجهة للعامة من المهتمين بالشأن السينمائي ومرجعا مهما للعاملين في هذا الحقل.
وقد تبنى روم مبدأ «الميزانسين» السينمائي ودافع عنه وعن أهميته لإدخال المشاهد داخل الأحداث في الفيلم، فعلى عكس المسرح، يتيح المخرج المسرحي المجال لاستخدام المتفرج مخيلته الخاصة، في حين يأخذ المخرج السينمائي المشاهد من يده الى قلب الصورة النابضة أمامه من النص الأدبي الى المادة الفيلمية التي رسمها المخرج نفسه مبدئيا.
يتيح «الميزانسين» للمخرج أن يعمل مع الرسام في مجال الشكل العام للديكور، ألوانه، ترتيبه وفي مجال نوعية الملابس، ومع المصور يدرس طبيعة الضوء، تقسيم المشاهد إلى لقطات منفصلة، تكوين هذه اللقطات، وكل الحلول التصويرية للفيلم.
عندما يتسلم المخرج النص الأدبي يعمل على استيعابه بمخيلته، ثم يشرع في وضع فهمه وربط مخيلته بـ «الميزانسين» الذي يعد من أهم الحلول البصرية في تكوين العمل السينمائي، ويبدأ المخرج المتمكن من عمله في ابتكار الصورة ووضع المشاهد وطريقة التصوير، الإضاءات، مواقع التصوير، أحاسيس الممثل المراد إيصالها للمتلقي، إلى آخره، من مهام المخرج المعقدة في بناء الصورة، ويعمل على كل العناصر المختلفة لتركيب «الميزانسين» الذي عادة ما يكتب كقاعدة باختصار شديد.
بالإضافة إلى «الميزانسين» هناك مصطلحات أخرى مرتبطة به مثل «الميزان كادر» و«الميزان ثانية» وسنتعرف على مصطلحات أخرى قد تهم المشاهد السينمائي المحترف، أو الدارسين، ونتمنى أن نكون من خلال السطور السابقة قد أوجزنا وأفدنا وفتحنا لكم بابا للبحث.