الحريّة الحقيقيّة والفن الراقي
2019-07-24 11:03:52
كثيرًا ما نسمع في عصرنا اليوم كلمة حريّة، أي أنا حر. يقولها الشاب أو الشابة لذويه، ويقولها صاحب عمل فنّي للمجتمع، وإلخ.
ولكن، هل حقًا مَن يستعمل كلمة حريّة يدرك معناها؟ والمسؤولية تكون أكبر عند من يدّعي أنّه جامعيّ، وأكثر، خرّيج جامعة عريقة.
بالأساس كلمة Liberty libertas من liber تعني free will أي صاحب إرادة حرّة. وأتت التسمية من إله وثني Liber معادل ل Dyonisosو Teutonic Frey، بحيث أصبحت التسمية Liberator تجمع بين Liber و Freyr . وكانت تطلق على العبيد المحررين فكانوا يدعون liberi .
كذلك كلمة Freedom هي free (adj.) +-dom أي لا تسلّط. وتحمل نفس المعنى لل .Liberty
وفي اللغة العربية الحريّة هي من حر.
إذًا لهذا الكلمة معنى إيجابي دائمًا وليس سلبي بتاتًا. مِن هنا تطلق الكلمة قانونيًّا كحالة مدنيّة أو سياسيّة، وتوسعت لتشمل الاقتصاد وغيرها. واستعملت كتحرر من الرق والعبودية وكل أنواع الظلم والقهر.
ولكن، لم تكن يومًا الحريّة دون ضوابط. أي لا يحق لشخص أن يسبب الأذى لآخر باسم الحريّة، إذ لا تعد حريّة. ولا يحق لشخص أن يتصرّف على هواه في المجتمع، فلا يحترم إشارات السير مثلًا، أو يمشي باتجاه معاكس ويسبب الحوادث للغير باسم الحريّة. كذلك لا يحق لأي شخص أن يجرح شعور الآخرين باسم الحريّة، أو يعتدي على خصوصيّة الغير تحت شعار الحريّة، وأمثلة لا تحصى ولا تعد.
هذه كلّها مفاهيم دوليّة واضحة المعايير والمعاني.
ومَن قال إن الفن هو بلا ضوابط باسم الحريّة. في الأساس الفن هو تعبير راقي ينبعث من المشاعر والأحاسيس المرهفة وليس الغوغائيّة. الحضارات تفتخر بفنّها وتتباهى به، وحضارة دون فن ليست بحضارة.
للأسف الشديد، في عصرنا اليوم، كل هذه المفاهيم تفرّغ من معانيها وتلبس معان هي أصلًا بريئة منها.
فلا يحق مثلًا لمصوّراتي أن يلتقط صورة لشخص ويستعملها دون موافقته، حتى ولو جعل منه ملك جمال. ولا يحق لأي مخرج أو مؤلّف أو مطرب أن يدوس على معتقد الآخرين أو إيمانهم أو ثقافتهم أو رموزهم باسم الحريّة. هذا قانون عالمي حضاري، وكل من يخالف هذه الأمور يعتبر متسلّطًا ومحتلًا ومخالفًا للقوانين.
فالتسلّط والاحتلال والاعتداء لا يعني فقط جيش يحتل بلد آخر، بل يبدأ باحترام أصغر مشاعر الآخرين لأن كل إنسان هو حر، بمعنى له كيانه ومشاعره وثقافته ومعتقده ووجوده وخصوصيّته.
نهاية، من يتستّر كلّ مرّة خلف ستار الحريّة والفن، ومن يدافع عنه عن معرفة أو عن جهل، عن حقد أو عن انتقام، عن ردة فعل أو جرح، ليجرّح بالرب يسوع المسيح وبالإيمان المسيحيّ ورموزه وشعائره وصلواته وفنّه الكنسي النابع من إيمانه، نقول له أنت مخطئ جدًا، وأنت معتد لأنّك تجرح أكثر من ملياري مخلوق حيّ في العالم، وضف عليهم مليارات مِن البشر رقدوا، ومليارات سيأتون مِن بعدنا. ولا تنسى قوافل الشهداء والقديسون الذي استبسلوا بالدفاع عن إيمانهم، وتحملّوا أبشع أنواع العذابات ولم يستسلموا.
قد يكون مَن يعتدي على المسيحية جاهل، أو لا يدري، أو أو أو، ولكن عندما يُخبر تسقط كلّ حججه.
سنبقى نتعرّض كما تعرّضنا منذ بداية المسيحيّة، ولكن سنبقى نشهد ونوضّح وندافع ونستبسل، لأن إيماننا أمانة في أعناقنا، ولا تساهل في هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد.
ستبقى المحبّة انطلاقنا، واللقيا هدفنا، لأن كل وجه مهما كان موقفه هو وجه الله أدرك ذلك أو لم يدرك، وسنبقى نردد ونقول له: لقد تجسّد الله وصلب وقام مِن أجلنا جميعًا، أي مِن أجلك أنت أيضًا.
واليوم الذي ستكتشف فيه خلاصه وحلاوته ستصرخ بفرحٍ: ربّي يسوع المسيح، إلهي ومخلّصي.
إلى حين ذلك الوقت، سنبقى نحبّك وندعوك، ولكن لا يحق لنا أن ندعك تشتم إلهنا ونصفّق لك.
النشرة