بعد عقودٍ من الإهمال والنسيان، كُشف النقاب عن «مغرَ الطحين» الأثري في بعلبك، وأزيحت الستارة عن لوحة تأهيله ليصبح مركزاً أثرياً يوازي في أهميته قلعة بعلبك، التي تتصل به عبر أنفاق وسراديب، وانضم إلى لائحة الكنوز الأثرية في المدينة ليصبح محجاً للزوار ومقصداً لهم بعد عناء أشهر من تنظيفه وإزالة التعدّيات عنه.
على أطراف منطقة الشراونة في بعلبك، التي اقترن إسمها بالحوادث الأمنية وإطلاق الرصاص، وحيث النسيان ينخر في البشر والحجر، أضاءت مجموعةٌ من شباب بعلبك تحت سقف «الجمعية اللبنانية للتعايش والإنماء» شمعةً في ذلك الجو المظلم، وجمعوا تحت سقف «مغر الطحين» الأثري المنسي كل مكونات الدولة الغائبة عن الإنماء، واثبتوا أنّ العمل يحتاج إلى إرادةٍ فقط، فعملوا بجدٍ طوال أشهر ورفعوا النسيان والتعدّيات عن ذلك المكان ليصبح مركزاً أثرياً يضاهي بجماليته قلعة بعلبك.
وبتمويل من الوكالة الإيطالية للتعاون والتنمية، إفتتحت بلدية بعلبك والجمعية مشروع تأهيل «مغرَ الطحين» الأثري برعاية وزارة الثقافة. وأكّد فؤاد بلوق رئيس بلدية بعلبك، أنّ هذا الموقع يحاكي ذاكرة الأجيال التي قطنت في جواره، وهذه الوقفة اليوم تربط الماضي بالحاضر، وتستشرف آفاق المستقبل. وإننا في المجلس البلدي وهيئات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، ننظر بعين الاهتمام إلى هذا الإرث الثقافي الذي تركه لنا الاجداد، فهو يعيش في وجداننا تراثاً يحتّم علينا إظهاره وتحسينه ليواكب عظمة مدينة بعلبك الأثرية والسياحية.
وأكّد أنّ «بلدية بعلبك تعمل على وضع خطة سياحية تربط بين السائح والمدينة لتحريك دورة اقتصادية تتماهى مع المستوى الإنمائي الذي نتطلع إليه»، لافتاً الى انّ «إعادة تأهيل هذا المعلم يعبّر عن الشراكة الفعلية بين البلدية والمجتمع المدني والأهالي، ويشكّل القاعدة الأساس لمفهوم التنمية البشرية المستدامة».
وأشارت ليدي حبشي، ممثلة الوكالة الإيطالية، أنّ هذا المشروع يأتي في سياق تركيز برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية على تمكين السلطات المحلية، ورفع الضرر عن الأحياء الأكثر تهميشاً في لبنان، ويأتي بفائدة إجتماعية واقتصادية وسياحية، كما يعيد قيمة هذا الموقع الأثري إلى الواجهة من جديد، لتضيف مدينة بعلبك بذلك نجمة إضافية في فضاء تميّزها الثقافي والحضاري.
وقالت: «لقد بدأت فكرة المشروع عندما بدأ برنامجنا بالمسح الميداني بالتعاون مع الجمعيات الأهلية وعلى رأسها الجمعية اللبنانية للتعايش والإنماء، وأهالي الحي الذين لم يوفّروا جهداً لاستكمال أبحاثنا وتحديد الحاجات الملحة في قطاعات الأبنية والسكن والبنى التحتية».
وأشار حسين حسن، عن «الجمعية اللبنانية للتعايش والإنماء»، الى «اننا نرى اليوم هذا العرس البعلبكي بإنجاز مشروعنا لترميم وتأهيل موقع مغر الطحين بأبهى حلّة، يكبر القلب، ونعلن أنّ هذا المشروع هو البداية لمشاريع أخرى ومنها حي الشميس والمغاور والمقالع الصخرية على تل الشيخ عبدالله».
وأكّد أنّ «المشروع لم يقتصر على الموقع، بل شمل تحسين المحيط، بإضافة رسومات تجميلية وفنية معبّرة على جدران البيوت المجاورة، على أمل أن يتحول هذا المكان إلى موقع تدبّ فيه الحياة، سواء باستقطاب السياح أو بإقامة الاحتفالات والأمسيات الشعرية والأدبية والمعارض الفنية».
ورأى ممثل وزير الثقافة سركيس خوري، أنّ «وزارة الثقافة تعتبر نفسها وزارة اقتصادية، فلبنان رغم مساحته الصغيرة غني ثقافياً، وبعلبك تُعتبر من أهم المواقع الأثرية العالمية، وهذا المكان هو فخر كبير للبنان ولأهالي المدينة، لذا، أرى ذلك عرساً لبنانياً وعالمياً وليس بعلبكياً فقط، وهذا الموقع ضمن التراث العالمي الإنساني».
وأشار إلى «ضعف إمكانات وزارة الثقافة مادياً، وقد حالت دون القيام بالكثير من الأعمال والبرامج، إلّا أنّ ذلك لم يحل دون قيامنا بواجباتنا، وأيام الوزير سلامة تمكنا من تأمين 50 مليون دولار لتمويل مشروع الأرث الثقافي الذي نفذه مجلس الإنماء والإعمار».
وأضاف: «البلديات شريكنا المحلي، دائماً نمد يدنا إليها وإلى الجمعيات الأهلية، وإن بعلبك تستقبل سنوياً حوالى 150 ألف زائر، إلا أننا نتطلع ليصل عدد الزوار الى مليوني سائح سنوياً في بعلبك، وقد أطلقنا في الوزارة مشاريع صغيرة ومتوسطة تساهم في التنمية المستدامة».
وفي الختام أزيحت الستارة عن اللوحة التذكارية.