الجميع في بلادنا يحبون السينما، ولن نكون مخطئين إذا ما قلنا إن تربية الإنسان تعتمد بدرجة كبيرة عليها، فهي تؤثر تأثيرا واضحا على كل مناحي الحياة وبشكل خاص على الشباب، إنها وسيلة مهمة لتنمية أفكارهم وتدعيم بنائهم الخلقي، فإذا ما كان المحتوى سلبيا فسنجد تأثيرا لا أخلاقيا على وعي الشباب، أما اذا كان إيجابيا فسنجد أنفسنا بصدد بناء مجتمع سوي، خلاصة القول «اذا فسدت السينما فسد المجتمع» والعكس صحيح.

بمقدور السينما التغلب على جيش كبير من الدعاة والصحافيين من حيث التأثير، وكل مخرج يعرف كيف يؤثر بعمله الفني على وعي وأفكار المتلقي، ومن هنا ولدت فكرة هذا المقال، لذلك لا بد أن نتعرف على عناصر بناء الفيلم السينمائي، فما الإخراج؟ وما المهام المنوط بها عمل المخرج السينمائي؟

قال «سيرغي أيزنشتاين» (1898-1948) أحد مؤسسي فن الإخراج في الاتحاد السوفيتي السابق ومن أهمهم على الإطلاق: «من غير الممكن تعليم الإخراج، ولكن في نفس الوقت ممكن»، مضيفا: «إنها عملية معقدة ولا يمكن حصرها في منهج دراسي لارتباطها بمجموعة ضخمة من المعارف المتنوعة، لدرجة أنه لم تتم كتابة كتاب تدريسي حول الإخراج».

بالفعل، لم يكتب كتاب دراسي حول هذا الفن، إنما أغلبها محاضرات وورش عمل حول الإخراج السينمائي، ومن أسباب تعقيد هذه العملية أنها تشمل عدة فنون وتتطلب مهارات خاصة جدا، فمعظم من اشتغلوا في هذه المهنة من القدامى لم يكونوا أكثر من فنانين تشكيليين أو نحاتين أمثال المخرج الروسي «ميخائيل روم»، أو حتى ذوي خبرة في الخداع البصري والتلوين أمثال الفرنسي «جورج ميلياس» والذي تناول فيلم «Hugo» الذي عرض قصته سنة 2011 في إطار درامي رائع.

إذا كان الأمر بهذا التعقيد، فما وظيفة المخرج ومهامه؟ الإجابة بسيطة جدا: «إن المخرج هو من يشرف على تحويل العمل السينمائي من عمل أدبي متمثل في السيناريو الى صورة متحركة يراها المشاهد على الشاشة بشكل سلس ويشرف على كل العمليات المعقدة جدا بدءا من تدريب الممثلين، خلق صورة تخيلية للنص المكتوب، التصوير، المونتاج الذي يشبه فن الكولاج، تسجيل الصوت والذي يعد تركيبه عملية مستقلة بذاتها انتهاء بنتيجة مرضية لتصوره»، كل ما ذكر وأكثر هو مجموعة فنون بحد ذاتها يشرف عليها المخرج ومساعدوه.

ومع التطور أصبح الإخراج أكثر تعقيدا، فمع دخول الكمبيوتر أصبح على المخرج الانخراط في فنون وتقنيات جديدة ليست سهلة أبدا كتوليد الصور عبر الحاسوب والغرافيك.. إلخ.

على سبيل المثال نجد فيلم «Saving Private Rian» للمخرج الرائع «ستيفن سبيلبيرغ» من أكثر الأفلام تعقيدا في القرن العشرين، وإذا ما تمعنا فيه سنجد أنه تم تصويره في عدة أماكن خارجية وحقيقية، ما أدى الى تصويره على مقاطع متعددة تم تركيبها داخل المعامل، ولو خضنا كثيرا حول هذه العملية لوجدنا أن فهمها صعب على الكثيرين، ولكن باختصار شديد، المشاهد التي تصور خارج الاستوديو تتم عبر سيناريو إخراجي يكتبه المخرج على شكل جدول يفهمه الفنيون فقط ثم يقوم المخرج بالإشراف على تركيب اللقطات حتى تتكون الصورة النهائية أو المبدئية في تخيله.

هذه هي وظيفة المخرج رسم تخيله للنص، الإشراف على الملابس بحسب ما يرى، اختيار الممثلين الملائمين، اختيار الموسيقى المناسبة، الإشراف على تركيب اللقطات التي تم تصويرها، الإشراف على عملية المونتاج، وعدد ضخم من المهام التي يصعب سردها جميعا، وهكذا نكون عرفنا أحد أهم المهن التي يشملها الفن السابع.