تجاوز حزب الله العتبة اللبنانية منذ سنوات بتطويره شبكات تضم خلايا في جميع أنحاء العالم، جاهزة لضرب المصالح الإسرائيلية والأميركية متى شعرت القيادة الحزبية ومن ورائها إيران بضرورة تشغيلها، خصوصاً هذه الأيام مع تصاعد التوتر الأميركي-الإيراني في المنطقة وتهديد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله باستهداف المصالح الأميركية إذا تعرّضت إيران لأي عمل عسكري.
ومع بلوغ التصعيد ذروته بخروج إيران تدريجياً من التزاماتها في الاتفاق النووي الموقّع عام 2015، يتساءل المراقبون عن توقيت تحرّك خلايا حزب الله في دول خارج منطقة الشرق الأوسط وضبط طهران ساعة تشغيلها مع ارتفاع منسوب التوتر مع واشنطن.، فما هي هذه الخلايا ومن يُشغّلها؟ وما هي خريطة انتشارها بين دول العالم؟.
في السنوات الأخيرة، كثّف حزب الله المسلّح بترسانة هائلة من الصواريخ أنشطته خارج حدود لبنان من خلال خلايا نائمة كامنة في أوروبا، وأميركا الشمالية، وأميركا اللاتينية.
في يونيو/حزيران المنصرم اعتقلت الولايات المتحدة الأميركية علي كوراني الذي جنّده “حزب الله” لتنفيذ هجمات إرهابية، حيث عمل مخبرا سريا لفترة طويلة في أميركا دون أن تتمكن السلطات من الكشف عنه. وقال حينها إن حزب الله قام بتجنيده كجزء من خطة تستهدف الرد على مقتل أحد قادة الحزب الأساسيين عماد مغنية.
كما كشفت وسائل الإعلام الكندية، عن قيام كوراني بجمع معلومات مفصّلة عن مطار بيرسون، في تورنتو في عام 2017. وأعدت هيئة أمن النقل الجوي الكندية تحقيقاً حول عميل خلية نائمة لحزب الله يُدعى علي كوراني، كان عضواً في وحدة التخطيط للهجمات الخارجية 910، المعروفة باسم “منظمة الجهاد الإسلامي”، المسؤولة عن تنفيذ عمليات في كل أنحاء العالم.
وفي وقت سابق، تحدث الإعلام الأميركي عن كوراني بشكل مكثّف، إلا أن دوره في كندا بقي خفياً حتى الشهر الماضي، حين ورد للمرة الأولى أنه زار بيرسون سبع مرات، قبل القبض عليه، واعترف أن الوحدة 910 كانت أكثر نشاطاً في كندا منها في الولايات المتحدة، وأنها تحاول تهريب متفجرات إلى الولايات المتحدة من كندا.
كوراني ينتمي إلى عائلة معروفة في دوائر حزب الله، التحق أولاً بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار والقذائف الصاروخية قبل أن يُجنّد في صفوف وحدة العمليات الخارجية والمعروفة اختصارا باسم IJO كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة حزب الله الرفيعة المستوى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
في عام 2003 عندما كان كوراني يبلغ من العمر 19 عاماً، هاجر إلى الولايات المتحدة. وعاش في منزل مشترك بين عائلتين في حي كوينز في نيويورك، ودرس الهندسة الطبية البيولوجية في جامعة مدينة نيويورك. لكن مسار حياته تغيَّر عندما قُتِلَ مغنية -الرجل الثاني في حزب الله ومؤسس جناحه العسكري والاستخباراتي والأمني.
في أبريل/نيسان 2009 حصل كوراني على جواز سفر أميركي وفي الأسبوع التالي على تأشيرة إلى الصين.
قيل إنه سافر إلى مدينة غوانزو الصينية، حيث توجد شركة لتصنيع قوالب ثلج تستخدم في الإسعافات الأولية تحتوي على نترات الأمونيوم، وهو عنصر نشط في المتفجرات. وعُثِرَ بعد ذلك على عدد كبير من “قوالب الثلج” هذه في مصانع المتفجرات التابعة لحزب الله في تايلاند وقبرص.
انخرط كوراني الأب لطفلين، بعد أن انفصل عن زوجته في تجارة الملابس المقلّدة، وهو ما يُفسّر سفره الدائم إلى مدينة غوانزو الصينية المشهورة بمصانع ومحلات الماركات العالمية الفاخرة المقلّدة، ما وُصِفَ بأنه مصدر رئيسي للدخل لحزب الله.
ألقي القبض عليه للمرة الأولى وبحوزته 190 زوجاً من الأحذية الشتوية بعد أن تجاوز إشارة مرورية في نيويورك. سأله ضباط الشرطة عن سبب وجود الأحذية قال “أربح دولارين لكل زوج. أشتريه بسعر 20 دولارا فقط”.
في مايو/أيار الماضي أدانت محكمة اتّحادية في مانهاتن كوراني (34 عاماً) بثماني تهم بينها المشاركة في مؤامرة بهدف حيازة أسلحة لارتكاب جريمة، وهي تهمة عقوبتها السجن المؤبّد.
إثر محاكمة استمرّت ثمانية أيام، قال مكتب المدعي العام الفدرالي في مانهاتن، إن الحكم على كوراني سيصدر في 27 سبتمبر/أيلول المقبل.
وبحسب التحقيقات التي أجراها FBI، تضمّنت قائمة أهداف كوراني استطلاع المبنى الفيدرالي في مانهاتن حيث يوجد مقر مكتب التحقيقات الفيدرالي ومقر جهاز الخدمة السرية في بروكلين. إضافةً إلى مخزن أسلحة للجيش الأميركي في مانهاتن ومطار جون كينيدي الدولي.
في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 أعلن مكتب التحقيقات الفدرالية في الولايات المتحدة الأميركية عن إحباط مخطط يهدف إلى تهريب أسلحة مختلفة، من بينها أسلحة مضادة للطائرات إلى كل من إيران وسوريا ولبنان، وإلقاء القبض على المواطن اللبناني داني نمر طرّاف في مدينة فيلادلفيا الأميركية بعد أن وصل إليها لتفحص صواريخ مضادة للطائرات وأسلحة آلية أخرى.
وذكرت وسائل إعلام أميركية أن التحقيق في القضية بدأ منذ شهر يونيو/حزيران 2007 بعد أن عرض أحد العملاء الفدراليين المتخفين على اللبناني حسن محمد قميحة شراء أجهزة كومبيوتر محمولة وهواتف خليوية وألعاب فيديو وبيعها في أميركا وفي الخارج، لكن العملية اتّخذت طابعاً خطيراً حين بدأ قميحة وأصدقاؤه الكلام عن أسلحة قادرة على إصابة المقاتلات الجوية وأنه قد دفع مبلغ 20 ألف دولار نقداً للعميل كدفعة أولى مقابل أسلحة آلية وصواريخ من طراز “ستينغر”. ووجهت تهم أخرى إلى 8 أشخاص على صلة بالخلية.
كما ذُكر أن عدد المتهمين قد ارتفع، وأن البضاعة كانت ستشحن إلى حزب الله، وأن من بين المتهمين ثلاثة يحملون إقامات مزدوجة في لبنان وسلوفاكيا. أما الباقون، فوجهت إليهم اتهامات منفصلة لبيع بضائع مسروقة.
من جهة أخرى، أشارت صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن أحد أعضاء المجلس السياسي لـ”حزب الله”، وصهره هاني حرب، مرتبطان بهذه الخلية، وأنهما حاولا تهريب ما يقارب من 1200 بندقية رشاشة من الولايات المتحدة الأميركية لصالح الحزب عبر سوريا، وذلك وفق لوائح الاتهام التي أعلنت في 24 أكتوبر/تشرين الثاني أمام المحكمة الفدرالية في مدينة فيلادلفيا، وكشفت الصحيفة أسماء المتهمين، ومن بينهم اللبنانيان حسن عنتر كركي، وموسى علي حمدان (الأخير لبناني من بروكلين)، إضافة إلى المسؤول في حزب الله وصهره، وحسب الناطقة باسم المدعي العام، فإن الولايات المتحدة لا تحتجز الآن أياً من هذه الشخصيات.
لم تقتصر أعمال خلايا حزب الله النائمة على أميركا، بل امتدت إلى أوروبا، إذ طالت في العام 2012 بلغاريا وتحديداً مدينة بورغاس حيث وقع انفجار استهدف حافلة أسفر عن مقتل 7 أشخاص، بينهم منفذ التفجير و32 جريحا. اتّهمت الشرطة البلغارية خلية تابعة لحزب الله اللبناني بتنفيذه.
في العام نفسه وعام 2015، أحبطت مخططات لعمليات تفجيرية عدة في تايلاند وقبرص عثرت فيها الشرطة على آثار مواد كيمياوية تفجيرية من النوع نفسه الذي استخدمه الانتحاري في عملية بورغاس.
أدانت محكمة قبرصية في عام 2013 عميلا لـحزب الله، يُدعى حسام يعقوب، وهو لبناني نشأ في بلدة في شمال غربي غوتبورغ في السويد ويحمل الجنسية السويدية، بالتخطيط لمهاجمة مصالح إسرائيلية لحساب الحزب.
وبعد القبض عليه بنحو أسبوع، اعترف يعقوب بأنه كان في قبرص للعمل لحساب حزب الله. وقد جنّده الحزب عام 2007 عندما دعاه رجل يدعى رضا إلى لقاء في مكتب تابع لحزب الله في بيروت يعمل في شؤون الطلبة.
يعقوب قال للمحققين في قبرص حينها: “قالوا لي إنهم بحاجتي للقيام بمهمة سرية لحساب حزب الله. قبلت لأنني ظننته أمرا عظيما، وأني سأكون لهم مختارا”، وذلك بحسب ما جاء في الإفادات.
ودفع تفجير بورغاس في بلغاريا الاتحاد الأوروبي لإدراج الجناح العسكري للحزب على لائحته السوداء كمنظمة “إرهابية”.
تعتبر ألمانيا التي وصل إليها عشرات الآلاف من اللبنانيين (معظمهم من الطائفة الشيعية) منذ العام 1960 أكثر المدن الأوروبية التي تشهد تكاثراً لعناصر تابعة لـحزب الله.
وبحسب تقرير لوكالة مخابرات ولاية شمال الراين-وستفاليا الأكثر اكتظاظاً بالسكان، فإن عناصر الحزب ارتفعت في العام 2017 من 105 إلى 110 في 2018 في الولاية المذكورة.
جاء في التقرير الاستخباراتي الألماني، أن مركز الإمام المهدي في مدينة مونستر مثّل منصة ومكانا للتلاقي بالنسبة إلى مؤيدي الحزب في الولاية، إلى جانب مدن بوتروب ودورتموند وباد أوينهاوزن. ولفت إلى أن حزب الله يمتلك مراكز في هامبورغ وبرلين ومونستر.
كذلك أشار التقرير إلى أن الجمعيات المرتبطة بـ “حزب الله” في الولاية ومناطق أخرى احتفلت في ألمانيا بذكرى تحرير الجنوب، في 25 مايو/أيار الفائت. وأن عدد عناصر الحزب ومؤيديه في ألمانيا يُقدّر بـ950، علماً أن تقريراً استخباراتياً صدر في ولاية سكسونيا السفلى قال إن عدد عناصر ومؤيدي حزب الله ارتفع من 950 في العام 2017 إلى 1050 في 2018.
تعتبر خلية اللبناني يوسف منصور في مصر المعروف باسمه المزيف سامي شهاب وهو موجود على السجلات اللبنانية في دائرة نفوس بيروت، الخلية الأشهر لـ “حزب الله” في الخارج· ليس فقط لأنها أثيرت بقوة شديدة في الإعلام المصري، في ربيع العام 2009، وإنما لأن “حزب الله” نفسه -خلافاً لباقي الملفات المشابهة- وعلى لسان أمينه العام، اعترف بوجودها، وتبنى فعلها، كذلك أرسل محامين لبنانيين إلى المحاكم المصرية للدفاع عن الموقوفين فيها، لا سيما منهم اللبناني يوسف منصور (هناك موقع على الإنترنت اليوم اسمه “موقع المجاهد يوسف شهاب ورفاقه لمتابعة قضيته).
مهمة هذه الخلية وفق حزب الله نقل الدعم اللوجستي إلى المقاومة الفلسطينية من عتاد وأسلحة إلى داخل فلسطين، بحسب اعتراف نصرالله· أما السلطات المصرية فتضيف إلى هذه المهمة، مراقبة قناة السويس، ومصالح إسرائيل في مصر، والتخطيط لتنفيذ هجمات تستهدف الأمن القومي المصري·
سامي شهاب لبناني وقيادي بحزب الله هرب من السجن في مصر عام 2011 بعدما اتّهمته نيابة أمن الدولة العليا مع 27 شخصاً بالتخطيط لهجمات وأعمال تخريبية داخل الأراضي المصرية، ونال بعدها حكما بالسجن 15 عاما، كان ذلك في العام 2009 في القضية المعروفة إعلاميا بقضية خلية حزب الله، كما كان المسؤول عن ملف مصر داخل الحزب.
في مايو/ أيار 2008، اعتقلت السلطات الأمنية في أذربيجان اثنين من كوادر حزب الله هما عضوان في خلية تابعة للحزب ولـ”الحرس الثوري الإيراني”، كانت تخطط لتنفيذ عمليات تخريبية ضد أهداف غربية في العاصمة باكو، رداً على اغتيال القائد العسكري في الحزب عماد مغنية.
ولا يزال حزب الله يتستر حتى الآن على اعتقال علي نجم الدين وعلي كركي، رغم أن السلطات الأذرية كشفت الخلية التي كانت تخطط لضرب مصالح غربية في العاصمة.
وبغية إخفاء هويتهما الحقيقية، قام الحرس الثوري الإيراني بتزويدهما بجوازي سفر إيرانيين باسمين وهميين، إلا أنه وخلال التحقيق معهما تبينت هويتهما اللبنانية وانتماؤهما إلى “حزب الله”، يدعى الأول علي نجم الدين من سكان مدينة بعلبك، والثاني علي كركي من سكان قرية عين بوسوار التابعة لقضاء النبطية في جنوب لبنان.
ومن المعروف أن النظام في أذربيجان على خلاف مع النظام في إيران، بسبب النزاع على إقليم ناغورني كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا، حيث تناصر إيران أرمينيا على حساب أذربيجان، لأسباب سياسية (مرتبطة بالمشروع الإيراني في المنطقة)، وإثنية (خوفاً من دعم أذربيجان للأقلية الأذرية في إيران نفسها).
المصدر: العربية.نت