2024- 11 - 21   |   بحث في الموقع  
logo "إنت القوي إنت الغني"... أفيخاي أدرعي "يستذكر" فيروز في عيدها (فيديو) logo غارات إسرائيلية على بعلبك... 20 شهيدًا في حصيلة غير نهائية! logo "حرب دامية وظروف صعبة"... الحريري يتحدث عن الاستقلال "الحقيقي"! logo فرنجية: لا يكتمل استقلال الوطن إلّا باستقلال النفوس logo عدد كبير من الشهداء… هذه حصيلة الغارات الإسرائيليّة على البقاع logo تعميم من مولوي لقوى الأمن الداخلي logo "الاتحاد الأوروبي": مذكرات الاعتقال بحقّ نتنياهو وغالانت "ملزمة"! logo رغم الخطأ الجسيم... عون يدعو اللبنانيين للوحدة والحب دون شماتة!
هل السيرة الذاتيّة خالية من الكذب؟
2019-06-30 10:01:04

كتب ممدوح فرّاج النّابي في صحيفة “العرب” اللندنية:

ذاعت شهرة السيرة الذاتية في الفترة الأخيرة، حتى وُسِمَ هذا العصر بأنه عصر الاعترافات، وهو ما دفع البعض بسبب تبوّؤ السيرة الذاتيّة مركز الصدارة في حقل الأنواع الأدبية، إلى إعلان نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية. فقد اجتاح العالم تسونامي اعترافات لم تقتصر على أدباء وفنانين، بل زاحمهم في البوح والاعتراف سياسيون ورؤساء قدّموا اعترافاتهم على شكل سير ذاتية، كما فعل الرئيس الفرنسي فرنسوان ميتران والأميركي بيل كلينتون، وأيضًا مؤخّرًا ميشيل أوباما.

لكن السؤال مع هذه الكثرة التي وُصف اطّرادها بأنه “تسونامي” وهذا الثراء في الكتابات التي شملت كافة ممثلي أطياف الحياة السياسيّة والأدبيّة والعلميّة، وغيرهم ممّن حقّقوا نجاحات تُذكر في قطاعات مختلفة: هل التزم الجميع بالصدق في كتابة سيرهم الذاتية وفقًا للميثاق (أو العهد) السيرذاتي، أم أنهم جنحوا إلى المبالغة والاستعراض الأدبي، وتشويه التاريخ الشخصي وتصفية الحسابات؟

السيرة والكذب

من الأهمية بمكان القول بأن السيرة الذاتيّة الخالصة التي عُرِّفتْ بأنها “شكل أدبي يكشف حياة المؤلف الحقيقية من دون الأقنعة الواقية لاستعمال فكرة الخيال كما في القصة والرواية”، غير متحقّقة وفقًا لحدود المفهوم الذي صاغه فيليب لوجون، وأكّده جورج ماي، على مستوى النتاجات الغربية، ذائعة الصّيت كما في اعترافات القديس أوغسطينوس، واعترافات جان جاك روسو. وكذلك العربية على الرغم من ادّعاء الكثيرين بقول الصدق وتحرّي الحقيقية فيما يكتبون!

على الرغم من أن العديد من النقاد اتّخذ هاتين السيرتيْن نموذجًا دالاً لكتابة السيرة الذاتية الخالصة؛ لتمثلهما الصدق العاري والبوح والتجرد، إلا أن الحقيقة غير ذلك تمامًا، فمع ما أظهره القديس أوغسطينوس من صراحة نادرة في اعترافاته الجنسيّة، حتى غدت سيرته أشبه بطقس اعتراف وفقًا للتقاليد المسيحيّة، إلا أنه أغفل الكثير من الحقائق عن ذاته، وهو ما يعني أن السيرة اعتمدت على الكذب والخداع، وهو ضدّ الميثاق أو العهد السيري للسّيرة الذاتيّة، فكما يقول أبوبكر العيادي إن أوغسطينوس “لم يأتِ في اعترافاته على ذكر أعماله الخسيسة، كطرد ابنه ذي الإثني عشر ربيعًا حينما كان مدرسًا بميلانو، وتركه نهبًا للخصاصة إلى أن وافته المنيّة، دون أن يحضر جنازته؛ أو معاشرته نساء كثيرات في قرطاج خلّفن له عدة أبناء أنكرهم، وادّعى أنه ‘إنما فعل ذلك ليثبت فحولته’؛ أو من قبيل نكثه بالعهد الذي قطعه على أمه باصطحابها إلى روما، ثمّ تركها وحيدة في قرطاج بلا سقف يؤويها وسافر ليقابل أسياده الرومان، فقد كان هدفه الأوّل الحصول على منصب سياسيّ في روما بشهادة بعض تلاميذه في ميلانو. والأخطر من ذلك سكوته عن دوره في تحريض الرومان على الفتك بالدوناتيين”، والموقف الأخير يكشف عن تعصبه ورفضه للآخر.

الشيء نفسه فعله روسو حين أغفل بعض الأشياء عن ذاته، فكلاهما انتقيا من حياتهما الشخصية ما يرسم صورة ترضي الأنا في المقام الأوّل، إلا أنها صورة تُنافي الحقيقة بالطبع. وإن كان القديس أوغسطنيوس تعلّل بأنه في كتابته كان متعجلاً لملاقاة رحاب دين ربّه، فقد تعلّل روسو بالذاكّرة وما يعتريها من ثقوب.

ولنعترف مبدئيًّا بأن هذه الانتقائية التي مارستها الذاكّرة كانت سببًا رئيسيًا فيما بعد للبحث عن بديل يسمح بمثل هذه التجاوزات والإغفالات، ومن ثم كانت رواية السيرة الذاتية أو السيرة الذاتية الروائية الحل الأمثل لتفادي مثل هذه الإشكاليات التي واجهت السيرة الذاتية وجعلتها في مرمي النيران واتهامها بالكشف غير اللائق والمنحط لخفايا النفس وعن الخيانات غير المُستساغة، وفي بعضها الآخر بممارسة الكذب والخداع، وهو ما جعل هذا النوع كما يقول بن ياغودا “سيّئ الصيت وبمثابة عار على الأنواع الأدبيّة الأخرى”. أو بأنها “تجارة كتب السيرة الذاتية”، على نحو ما وصفها الناقد الأميركي وليام غاس في هجوم شنه على النوع في مجلة هاربرس الأميركية، ووصفها بأنها ملطخة بالخداع والرغبة في الانتقام، أو محاولة تبرير الأخطاء، أو ربما لنصفح ونغفر عن خطايا المؤلفين المذنبين!

الاستعراض الأدبي

حالات تشويه التاريخي الشخصي وممارسة الكذب والخداع أثناء كتابة السيرة الذاتية مرجعها في المقام الأول يعود إلى الرغبة في إحداث التعاطف مع الجمهور، فالكاتب أو صاحب السيرة، بهذه السيرة المزيفة عن ذاته، يسعى إلى مداعبة عواطف الجمهور، واستجلاب الشفقة والتأثير بماضيه والآلام التي عاناها ليصل إلى ما وصل إليه، خاصة عندما لم يعد ممكنًا أن يصنع إنجازًا جديدًا، وإن كان في حقيقة الأمر يعلم جيدًا أن ثمة مسافةً كبيرة بين الشخص المتحدِّث عنه وبين الشخص الحقيقي، وأن هذه المسافة لن تذوب حتى لو ادّعى أيضًا الصدق.

ومن ثم يقع الكاتب في المُفاضلة بين ذكر الخصال والعيوب التي تُناسب مشروعه أو ما يهدف إليه، وهو ما يسمّى بالاستعراض الأدبي، وهو الأمر الذي جعل سيجمون فرويد عندما طلب منه عام 1929 أن يقوم بكتابة سيرته الذاتية لأن يسخر قائلاً “هذا بالطبع اقتراح مستحيل الحدوث”، وبرّر لابن أخيه الذي نقل إليه اقتراح الناشر الأميركي بأن “الاعتراف المعبّر والكامل والأمين عن الحياة يتطلب الكثير من التهوّر الطائش للبوح الفضائحي عن شخصي، فضلاً عن الآخرين من الأسرة والأصدقاء والأعداء. ومن ناحية أخرى، الشيء الذي يجعل كل كتب السيرة الذاتية لا قيمة لها عندي، على أيّ حال، هو الكذب والزيف والخداع وليس عندي رغبة في القيام بهذا!”.

من أبرز النماذج التي مُورس فيها الكذب والخداع أثناء كتابة السيرة الذاتية، ما ذكره ياغودا في كتابه على سبيل المثال، مذكرات بعنوان “الدم يجرى كنهر في أحلامي” وهي واحدة من ثلاثة كتب سيرة لمؤلف أميركي ادّعى كذبا أنه من الهنود الحمر ويدعى “ناسديج”. قدم في المذكرات على نحو ما ذكر ياغودا “كاتولوغًا مزيفًا” ضخمًا ومنوعًا لجميع أنواع المعاناة (طفل مشوه بسبب إدمان أمه الكحول أثناء الحمل، وحياة المهاجرين والتشرد والإيدز) وقد غذت هذه رفضه وكراهيته لحضارة الرجل الأبيض.

حالات الكذب والزيف أو تصفية الحسابات التي مارسها الكُتّاب وهم يجترون ذكريات طفولتهم ومراهقتهم، كثيرة في مدونة السرد العربية.

فعلى سبيل المثال نص محمد شكري “الخبز الحافي” اتهم بأنه يميل إلى المبالغة والكذب، فحسن العشّاب، وهو المعلم المدرسي الأول لشكري، في كتابه “محمد شكري كما عرفتُه: ذكريات صاحب الخبز الحافي ومعلمه العشاب” (دار رؤية القاهرة، 2008)، نفي كون محمد شكري لم يتعلّم القراءة والكتابة إلا في العشرين من عمره حيث أكّد أن شكري “تعلم القراءة والكتابة في سن الحادية عشرة”. وما كان يروّجه من أنه ظل أميًّا حتى سن العشرين، كان من أجل إثارة الانتباه فقط. وعندما كنت أثير معه هذا الموضوع، كان يجيبني بأن 60 بالمئة من الكتب التي تتناول حياة أصحابها تعتمد المبالغة وبعض الكذب من أجل التشويق”.



وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top