ليست المبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين الى ديارهم حديثة العهد، فجذورها تعود الى اللقاء الشهير بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والاميركي دونالد ترامب. لكن ما الذي استجد حتى تعيد موسكو إحياءها اليوم؟ وماذا يقول السفير الروسي الكسندر زاسبكين لـ”النهار” عن تلك المبادرة؟
تعتقد روسيا ومعها “محور الممانعة” ان الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية ستبقى تعرقل عودة النازحين السوريين الى بلادهم على الرغم من استعادة الحكومة السورية معظم المحافظات، باستثناء ادلب واجزاء من الشمال المحاذي لتركيا.
لكن ما الذي استجد لتعيد موسكو طرح مبادرتها على دول الجوار السوري، وفي مقدمها لبنان الذي يستضيف نحو مليون ونصف مليون نازح؟.
تركت جولة المبعوث الرئاسي الروسي الكسندر لافرنتييف ارتياحاً في لبنان، وخصوصا أنه أعاد تأكيد مبادرة موسكو لإعادة النازحين السوريين، اضافة الى دعوة لبنان الى حضور مؤتمر أستانا.
واذا كان لبنان قد تبلغ سابقاً برغبة الدول الثلاث الراعية للمحادثات بشأن الازمة السورية في العاصمة القازاقية بدعوته الى المشاركة في تلك اللقاءات، فإن موسكو رفضت ألا تبقى دعوتها شفوية لبيروت، وارتأت بعد قرار إيران وتركيا ومعهما روسيا ضرورة توجيه الدعوة خطياً لبيروت، للمشاركة في المحادثات المرتقبة نهاية تموز المقبل، بما يعزز الثقة المتبادلة والحديثة نسبياً بين العاصمتين، قياساً على عمق العلاقات اللبنانية الغربية سابقاً، وانتهاج لبنان سياسة حذرة تجاه الاتحاد السوفياتي السابق، ثم تجاه روسيا بعد العام 1990.
إلا أن بيت القصيد يبقى بالنسبة الى لبنان التخلّص من أعباء النزوح السوري، وخصوصا أن جميع القوى السياسية تعترف بالتداعيات السلبية لقضية النزوح، ولكنها تختلف في مقاربة الحلول بين عودة طوعية وعودة آمنة.
بدوره يشرح السفير الروسي ان “المبادرة الروسية ليست جديدة وهي نفسها التي أعلنت عنها موسكو قبل نحو عام ودعمها لبنان بقوة، ولكن موسكو تدعو جميع الاطراف المعنيين الى توفير الظروف المناسبة لعودة النازحين الى ديارهم، وهذه المهمة انسانية وليست سياسية، وبالتالي لا يجوز ربط عودتهم بالحل السياسي”.
ويثمن زاسبكين ترحيب لبنان الايجابي بالمبادرة وتعيين ممثليه في اللجنة الروسية اللبنانية المشتركة لمتابعة تنفيذ المبادرة، ويضيف: “نحن نتواصل مع الحكومة السورية من أجل تسهيل عودة النازحين، وبحثنا في الامر مع المسؤولين اللبنانيين وسنواصل العمل لتأمين عودة النازحين، مع علمنا أن دولاً غربية ومنها الولايات المتحدة الاميركية، ودولا أوروبية وكذلك بعض الدول العربية لا تؤيد عودة النازحين، وكذلك لا تريد تمويل تلك العملية بهدف عرقلتها، ولكن ذلك لا يعني البتة أننا سنوقف جهودنا، لا بل على العكس، سنزيد وتيرة عملنا لأن في ذلك مصلحة لسوريا وللسوريين”.
أما عن تشجيع موسكو على التواصل مع دمشق فيقول: “تطوير التعاون بين الجانبين أمر إيجابي وضروري، علماً ان التواصل قائم بين الطرفين، ولكن يجب ان يكون اكثر فاعلية”.
وفي سياق متصل، يلفت السفير الروسي الى ان دعوة لبنان للمشاركة في اجتماعات استانا (نور سلطان) امر على جانب كبير من الاهمية لا سيما ان بيروت معنية بالتوصل لحل الازمة السورية، ومن الافضل مناقشة ازمة النازحين في تلك المحادثات في حضور الدول المستضيفة مثل لبنان والاردن والعراق وتركيا، وهذا الامر سيترك تداعيات ايجابية”.
ولا يفضل زاسبكين الحديث عن التباينات اللبنانية في مقاربة أزمة النزوح، لكنه يؤكد أن التباينات قديمة وليست جديدة العهد، ولكن “الترحيب والتفاعل اللبناني مع المبادرة الروسية يترك صداه الايجابي وبالتالي لا يجب التوقف فقط عند التباينات التي ليست جديدة”.
ويلفت زاسبكين الى أن محاولة البعض اعادة ربط عودة النازحين بالحال السياسي او بالانتخابات السورية امر مرفوض “ما دامت الحكومة السورية اعلنت مراراً عن رغبتها وترحيبها بعودة النازحين”.