هل ترد بيروت بوتين خائباً؟
2019-06-18 00:15:26
- عبدالله قمح في غضون اليومين المقبلين، ستحل روسيا ضيفاً سياسيّاً على لبنان في لحظة اقليميّة متفجّرة، وسيُلقى على الزيارة حمل استشراف المرحلة المقبلة في ظل وقوف المنطقة فوق برميلٍ من البارود يرزح على صفيحٍ بركانيٍ هائج، وبالتأكيد سيتبارى اللبنانيون حول من له القدرة على الإستنطاق وانتزاع معلومات تُفيد في قراءة الوضع الراهن.دون ادنى شك، ستكون موسكو عنواناً لبنانيّاً بارزاً للحدث، في ظل قدوم الوفد الروسي المكوّن من المبعوث الرئاسي الخاص إلى سوريا، الكسندر لافرنتييف، ونائب وزير الخارجيّة سيرغي فرشينين، في توفيتٍ خاص. هي ليست المرّة الأولى التي يَحضر فيها هذه الوفد، لكن بلا شك، المرّة هي الأبرز التي تُشكّل فيها الزيارة حدثاً بحد ذاتها.في المرّة الأولى حضرَ الوفد حاملاً اقتراحاً روسيّاً لإعادة النازحين إلى بلادهم، وقد كانت تلك زيارة «تسويقيّة بإمتياز»، لكن ما أتى بعدها خيّبَ الآمال المعقودة، ليس بسبب حدوث تخلٍ روسي عن الوعود المقطوعة، بل بسبب تعنّت بعض الدول الغربيّة التي رفضت المساهمة في الاقتراح الروسي، ما جعله موضوعاً على الرّف بانتظار «اختراق ما في مكان ما».وأصلاً، كان لبنان وما زال، يُنسّق و «يُدوّر الزوايا» المرتبطة بعمليّة العودة الطوعيّة للنازحين مع الجانبين السوري والروسي، من ضمن آلية «مواربة» تزاوج بين التنسيق المباشر وغير المباشر، كإنعكاس واضح للضياع الرسمي اللبناني، وإن كانت الحلول تأتي بـ«القطارة» وضمن الحد الأدنى المسموح به، لكن الشكوى تبقى دائماً من الخلل السياسي القائم، والبطء، وهما عاملان لا يساعدان فى عودة النازحين. لكن لا تريد روسيا من لبنان، كما هو ظاهر، مصالح سياسيّة خاص بها بقدر ما تريد لهذا البلد الصغير أن يحتل موقعه، وانّ يصبح ذو شأن سياسي بعد الشأن الهام الذين جناه من منظور القوّة العسكريّة التي يتملكها من بوابة المقاومة. وقد كان لروسيا مساهمات فى سبيل ترشيد قوّة لبنان سياسيّاً ودبولماسيّاً، من خلال الدفعة التي أعطيت له خلال زيارة رئيس الجمهوريّة ميشال عون إلى موسكو، الشتاء الماضي، بحيث اتخذ قراراً على صعيد رئاسي، يمنح لبنان تذكرة عبور للمشاركة في جولة مفاوضات «أستانا 13» بصفة مراقب. اليوم يحضر الوفد من أجل إبلاغ الدعوة رسميّاً.مصادر دبلوماسيّة روسيّة لا تنفي لـ«» حمل الوفد للدعوة، لكنها تفضّل «عدم استباق الأمور»، تاركةّ شكل وهيكليّة الدعوة من صلاحيّة الوفد الرئاسي الذين يزور لبنان بتكليف رسمي من الرئيس فلاديمير بوتين.لكنها وبعد إصرار تؤكّد انّ مشاركة لبنان فى المنصّة المخصّصة للدول المجاورة لسوريا، باتت محسومة وسارية المفعول، لكن الصفة «موضع نقاش»، هل يحضر بصفة عضو مراقب مكتفيّاً بتدوين الملاحظات من دون الحق في ابداء الرأي، أم يُشارك بصفة عضو فاعل مطلق الصلاحيّات ويناقش في مستقبل النزوح وسوريا؟ فى مقامٍ آخر لا تبدو «اللبكة» قائمة عند الطرف الروسي «الذي يعرف ماذا يريد ولذلك حضر»، بل يجب تشديد الاهتمام أوّلاً صوب الموقف اللبناني وكيف سيتعامل مع المبادرة الروسيّة الجديدة!ثمّة تخوف يخشاه جانب سياسي محلّي وازن، من انّ تتحوّل الدعوة الروسيّة إلى ملف خلافي لبناني يُطيح بالرهانات الملقاة على عاتق المشاركة اللبنانيّة، سيما وانّ تجارب بيروت مع موسكو فى عدّة امور، ومنها معاهدة التعاون العسكري بين روسيا ولبنان القابعة في إدراج مجلس الوزراء لغاية تاريخه، لا تُشجّع ابداً. وليس سرّاً انّ دولاً تمتلك تاثيراً سياسيّاً فى لبنان، أو بشكل أدق على أطراف سياسيّة مُحدّدة، لا تحبذ وجود أو مشاركة هذه البلد في لقاء دولي ترعاه روسيا ويعاكس مؤتمرات أخرى تحمل نفس الخلايا الوظيفيّة تقريباً كـ«جنيف»، وعلى هذا القاعدة ربّما تدخل «دولٌ ما» عاملاً سلبيّاً يؤدّي إلى تنازع داخلي حول المشاركة، ما يُطيح بظرف سياسي هام قادم على لبنان.من وجهة نظر أخرى، سيطرح ملف المشاركة على طاولة مجلس الوزراء، وبما انّ الوفد سيحضر يوم الاربعاء، فإن الظن يذهب نحو طرح ملف المشاركة خلال جلسة يوم الخميس المتوقّعة في قصر بعبدا، أو بأسوأ الأحوال خلال جلسة تُحدّد يوم الثلاثاء المقبل.وعند التعمّق في «بازل» وخريطة الإنتشار السياسي الداخلي وفرزه بين مؤيّد ومعارض، يبدو واضحاً انّ فريقاً وازناً فى البلد عبّرَ سابقاً عن تأييده لمشاركة لبنان فى «منصّة أستانا»، يقوده بشكلٍ أساسي فريق رئيس الجمهوريّة ميشال عون ممثلاً بوزير الخارجيّة ورئيس التيّار الوطني الحرّ جبران باسيل، الذي لن يترك الجهد الذي بُذِلَ في موسكو يذهب سُداً. إلى جانبهما «الثنائي الشيعي» وطبعاً وزراء تكتّل «لبنان القوي» وحلفائهما، ما يعني انّ الغالبيّة العدديّة مؤمّنة لتؤيّد تمرير المشاركة, يبقى الغموض يكتنف الفريق الآخر المتمثّل فى «تيّار المستقبل» و حزب القوّات اللبنانيّة والحزب التقدمي الإشتراكي، الذين امتازوا سابقاً بخيارات متباينة تُعاكس الطروحات الروسيّة، وإن كان لدى «المستقبل» و «الإشتراكي» تحديداً علاقات تصنّف ضمن خانة «الجيدة» مع موسكو. لكن وفي التركيبة اللبنانيّة دائماً ما تكمن الشياطين في التفاصيل، لذا لا يصلح اعتبار الأمر متنهياً ما دام لم يؤمّن التوافق السياسي الذي يفوق بقدرته القدرة العدديّة، وهو أمر تعلمه موسكو جيداً.
وكالات