ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس اختتام السينودس في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، بمشاركة مطارنة الطائفة في لبنان وبلدان الإنتشار.
وبعد الإنجيل المقدس، القى البطريرك الراعي عظة قال فيها: “الكنيسة، بوجهها البشري، مجتمع منظم ذو تراتبية، وله قوانينه وأصوله. ويمارس عمله وفقا لها وبأمانة كاملة لمضامينها، ويستلهم في الممارسة القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية. فماذا ينقص الدولة، وهي أيضا مجتمع منظم، أن تتصرف مثل الكنيسة، بحيث لا تتخطى الدستور والقوانين، نصا وروحا، بل تسير بموجبها، وتدرك أن السلطة وتنظيم المجتمع البشري هما من الشرع الطبيعي الذي وضعه الله، لكي يعيش الشعوب بأمان، وتحكمها السلطات بالعدل؟”.
وتابع: “إن معظم خلافات أهل الحكم عندنا متأتية من مخالفة الدستور والقوانين والأعراف، وتفسيرها وفقا لمصالح النفوذ، أو التكتلات النيابية التي تتقاسم الحصص والمغانم، كما هو حاصل اليوم ولاسيما بشأن التعيينات. وإذا وقع خلاف كان مرده الخلاف على هذا التقاسم والاستئثار والاقصاء والسيطرة. ويا ليته كان خلافا من أجل الصالح العام والسبل الفضلى لتأمينه! ومن المؤسف لهذا السبب أن يحرم كل من لا ينتمي إلى حزب أو تكتل من حق المشاركة في السلطة ايا يكن نوعها!”.
وقال البطريرك الراعي: “من كلام الإنجيل، السلام هو ما يميز المسيحي. فإذا قبله عطية استقرت في قلبه، تحلى بهدوء الفكر، وطمأنينة النفس، وبساطة القلب، ورباط المحبة، ونبذ الحقد، وهدأ النزاعات، وأزال الكبرياء، وصالح الأعداء، وتجمل بالوداعة، وأحب المتواضعين.
إننا نصلي من أجل أن تنفتح قلوب الجميع، وبخاصة قلوب المسؤولين المدنيين، لعطية سلام المسيح، لكي ينعموا بسعادة السلام الداخلي، فيعيشوا السلام مع نفوسهم وضمائرهم ومع الله والكنيسة، وينعموا بثماره الروحية والاخلاقية والانسانية، وينشروه من حولهم. كيف يمكن تفسير الخلافات والمناكفات وتبادل الكلمات الجارحة وانتهاك صيت الأشخاص وكراماتهم واقتحام خصوصياتهم عن حق أو غير حق، عبر تقنيات التواصل الاجتماعي، سوى انها نتيجة انعدام السلام الداخلي في القلوب؟”.
واردف: “إن جوهر رسالتنا كرعاة في الكنيسة ان نحمل سلام المسيح إلى أبنائنا وبناتنا وإخوتنا وأخواتنا، ونحمله مع الكهنة معاونينا والمكرسين والمكرسات. وهو سلام روحي مع الله قوامه الاتحاد به بالصلاة ونعمة الاسرار؛ وسلام اجتماعي بين الناس بتعزيز الاحترام المتبادل والتعاون والتضامن، وبمصالحة المتخاصمين وانتزاع فتيل النزاعات؛ وسلام معيشي مع الفقراء والمعوزين وذوي الاحتياجات الخاصة بمساعدتهم عبر مؤسساتنا التربوية والاستشفائية والاجتماعية المتخصصة، وتوفير فرص عمل لهم بتفعيل قدرات الكنيسة، ومطالبة الدولة القيام بواجباتها تجاههم من خلال النهوض الاقتصادي بكل قطاعاته، وتأدية متوجباتها المالية للمؤسسات الاجتماعية المجانية، وتلك التي تخدم موظفي الدولة؛ وسلام سياسي بتوفير الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية والتشريعية التي من شأنها أن تؤمن الخير العام الذي منه خير المواطنين كلهم، وكل مواطن، دونما تمييز حزبي أو ديني أو طائفي أو سياسي. فما يجمع الكل هو المواطنة. هذا السلام السياسي نطالب به المسؤولين في الدولة، لأنه مبرر وجودهم. فلا يمكن الاستمرار في اعتبار الدولة ومؤسساتها ومقدراتها ملكا أو وراثة لهذا او ذاك من النافذين افرادا كانوا أم أحزابا أم تكتلات”.
وتابع: “إذا فقد الانسان سلام المسيح، أصبح عدوا لأخيه الانسان، بل وحشا، كما نشهد لدى مفتعلي الخلافات، وصانعي الحروب، والفاتكين بحياة المواطنين الآمنين، قتلا وتهجيرا وإفقارا وسلبا لجنى عمرهم. إن فوران الاوضاع الامنية، وقرع طبول الحروب ولاسيما بعد حادثة إحراق ناقلتي النفط في خليج عمان، تقتضي من الدولة اللبنانية أن تتحصن، والشعب أن يتهيب”.