قد يكون العامل الايجابي البارز الذي طبع المشهد الداخلي اللبناني في الساعات الثماني والاربعين الاخيرة تمثل في التزام المسؤولين الرسميين والقوى السياسية على اختلاف اتجاهاتهم التريث والصمت حيال تداعيات “لهيب الناقلات” في الخليج، على رغم ان كثيراً من “الحوافز” التقليدية غالباً ما تدفع القوى اللبنانية الى التسرع في الانخراط في ردود الفعل على تطورات مماثلة.
واذا كانت احتمالات “التحاق” القوى اللبنانية او بعضها بمنظومات ردود الفعل على استهداف ناقلتي نفط في خليج عمان قرب مضيق هرمز وتصاعد الاتهامات الاميركية لايران بهذا الحادث لا تزال واردة في اي لحظة، فان بعض الاوساط المعنية قالت لـ”النهار” إن الامر الايجابي “المبدئي” الذي يستحق التوقف عنده هو ان القوى السياسية لا تبدو متحفزة لجولة انقسامات عبثية جديدة قد تأخذ شكل تأييد أو معارضة هذا الطرف أو ذاك في المواجهة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وايران، علماً ان تداعيات أي تطور عسكري في المنطقة قد لا يبقى لبنان بمنأى عن اثاره. واعتبرت هذه الاوساط ان الصمت السياسي الحالي عن تطورات الازمة الناشئة قد يكون مرشحاً لدفع الجميع الى التزام سياسة النأي بالنفس وترقب مآل التطورات، خصوصاً ان الصورة تبدو شديدة الخطورة والغموض وتتطلب من اللبنانيين الابتعاد ما أمكن عن الزج بأنفسهم في مزالق لا جدوى منها.
في غضون ذلك، تتجه الانظار من مطلع الاسبوع المقبل الى معاودة الحكومة نشاطها مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء الثلثاء في السرايا برئاسة رئيس الوزراء سعد الحريري، وهي الجلسة الاولى للمجلس منذ اقرار مشروع الموازنة وستنطلق معها دورة العمل الحكومي العادي، إلّا ان الملفات والاستحقاقات الشائكة وفي مقدمها ملف التعيينات لن تبدأ مع هذه الجلسة بل تنتظر على الارجح التوافق بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الحريري على برمجة التعيينات وفق الاولويات الملحة ووفق المناخ السياسي الذي سيواكب طرحها واقرارها في مجلس الوزراء.
وفيما تردد ان جلسة ثانية لمجلس الوزراء قد تعقد الخميس في قصر بعبدا برئاسة الرئيس عون، لم تخف مصادر وزارية مطلعة لـ”النهار” ان رحلة التعيينات ستكون محفوفة بالغام ومطبات كثيرة بدأت معالمها تظهر بوضوح من خلال التحذيرات التي اطلقها ويطلقها زعماء سياسيون ورؤساء كتل ووزراء ونواب من احتمال ان تؤدي المحاصصات من جانب أحادي أو الاستئثار ببعض الحصص، الى تفجير ازمة كبيرة داخل الحكومة لن تكون جاهزة لتحمل تداعياتها، خصوصا ان استحقاق الموازنة واقرارها في مجلس النواب لا يزال الاولوية الاساسية التي لا يتقدمها أي تطور آخر.
اما في ملف التعيينات، فان المصادر استبعدت طرحها في وقت قريب جداً كما ساد انطباع أخيراً، عازية ذلك الى عدم نضج الاجواء التوافقية حول معظم التعيينات التي ستطرح تباعاً على مجلس الوزراء ووفق برمجة يتوافق عليها رئيساً الجمهورية والحكومة، وهو أمر طرح بينهما في اجتماع القصر مطلع الاسبوع الجاري. وقالت ان ثمة عقبتين تعترضان طرح التعيينات الان، أولاهما هي عدم بت الآلية التي ستعتمد في طرح التعيينات وفق الاولويات الاكثر الحاحاً، علما ان لا توافقات عريضة بعد على التعيينات الاساسية مثل نواب حاكم مصرف لبنان وأعضاء المجلس الدستوري المنتهية ولايتهم وبعض المناصب الامنية الاساسية. أما العقبة الثانية، فتتمثل في احتمال نشوء خلافات مسيحية – مسيحية حادة من شأنها تعطيل التعيينات، نظراً الى الترددات السلبية التي يكثر الحديث عنها لاتجاه “التيار الوطني الحر” برئاسة الوزير جبران باسيل الى احتكار الحصة المسيحية في معظم التعيينات. وتناول رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع هذا الملف في حديث له أمس فقال: “لا حل مثالياً الًا اعتماد الالية، تماما كما حصل في المجلس الدستوري. صحيح ان لا اتجاه لاعتماد، هذه الالية. لكننا مصرون على استكمال الدفع نحوها، ومصرون أيضاً على انها الطريقة الفضلى، لايصال المستحقين”.