ذكر موقع “ميدل إيست آي البريطاني” أن ثمة ارتدادات عكسية لـ”صفقة القرن”، في إشارة إلى خطة التسوية في الشرق الأوسط التي تنوي الإدارة الأميركية طرحها.
وقال الكاتب والصحافي البريطاني البارز ديفيد هيرست إن من وضعوا صفقة القرن يضغطون على زر التدمير الذاتي، وذلك عندما “يقدمون ببجاحة وصفاقة ودونما أدنى إحساس بالخجل على تحصين مكاسب إسرائيل وإنهاء إمكانية قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وحينما يتعاملون ببساطة مع تاريخ اللاجئين ذي الوزن الثقيل من خلال طمسه”.
وأضاف أن من وضعوا الصفقة “يكونون بذلك قد قتلوا أيضاً فكرة أن صفقة السلام يمكن أن تُبنى حول مبدأ وجود دولة ذات أغلبية يهودية إلى جانب دولة فلسطينية كجار مكافئ ومستقر”.
وأشار الكاتب البريطاني إلى “صفقة القرن” وبدلاً من دفن القضية الفلسطينية بعد فترة طويلة من التهميش من قبل الانتفاضات العربية، ثم من قبل الثورة المضادة، تمكنت من إعادة هذا النضال القديم إلى واجهة السياسة العربية حيث ينبغي أن يكون”.
وقال إن “صفقة القرن تتيح الفرصة الأكبر لأولئك الذين يتوقع أن يكونوا أكبر الخاسرين منها، فبمجرد أن تدرك القيادة الفلسطينية أنها لن تحصل أبداً على دولة فلسطينية تعيش في استقلال ذاتي بجوار دولة إسرائيل فإنها ستعرف ما ينبغي عليها القيام به”.
لماذا أنا متفائل بشأن “صفقة القرن”؟
تمثل الصفقة أكبر فرصة لأولئك الذين يتوقع أن يكونوا أكبر الخاسرين منها سعياً منهم لتسويق صفقة القرن التي لم تنشر تفاصيلها بعد، يقول مؤلفوها الرئيسيون ما يلي:
لم يتأهل الفلسطينيون بعد حتى يتمكنوا من حكم أنفسهم (حسب ما ورد على لسان صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر)، ولدى إسرائيل الحق في أن تضم أجزاء من الضفة الغربية (ب حسب ما قال السفير الأميركي لدى إسرائيل دافيد فريدمان)، وربما كانت الصفقة نفسها غير قابلة للتنفيذ (بحسب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو)
قتل صفقة السلام
حين يقدم مؤلفو الصفقة دونما أدنى إحساس بالخجل على تحصين مكاسب إسرائيل وإنهاء إمكانية قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وحينما يتعاملون ببساطة مع تاريخ اللاجئين ذي الوزن الثقيل من خلال طمسه، فإنهم يكونون قد ضغطوا على زر التدمير الذاتي.
كما أنهم يكونون بذلك قد قتلوا أيضاً فكرة أن صفقة السلام يمكن أن تُبنى حول مبدأ وجود دولة ذات أغلبية يهودية إلى جانب دولة فلسطينية كجار مكافئ ومستقر.
مكثت هذه الأسطورة زمناً طويلاً داخل غرفة العناية المركزة للمفاوضات الدولية. وغذت تقريباً ثلاثة عقود من المفاوضات ومازالت على قيد الحياة في الصميم من السياسة الأوروبية.
لقد هيمنت على كل الأفكار الأخرى ولم تترك لها مجالاً.
على مدى ستة وعشرين عاماً بعد اتفاقيات أوسلو لم يكن هناك من عملية سوى عملية السلام. وما كانت القيادة الفلسطينية، التي اعترفت بإسرائيل، لتقدم أبداً منفردة على إعلان انتهاء العملية. ولا كان موت أوسلو من صنيع الفصائل الرافضة مثل حماس والجهاد الإسلامي أو حزب الله. بل على العكس تماماً، عندما أعادت حماس كتابة ميثاقها بهدف تجسير الهوة بينها وبين فتح، أعلنت الحركة قبولها للخط الأخضر لعام 1967 كأساس للمفاوضات.
لا. إن الذين حفروا قبر حل الدولتين هما شخصان متعصبان: كوشنر وفريدمان. فهما يعتقدان أن إسرائيل كسبت الصراع وأن كل ما يتطلبه حله هو أن يقر الطرف المهزوم بهذه الحقيقة ويأخذ المال.
هل أنجزت المهمة؟
كل ما تعنيه صفقة القرن هو الإعلان عن أن المهمة قد أنجزت، تماماً كما فعلت جيوش غازية أخرى في الشرق الأوسط. لكن التاريخ يعلمنا أن مثل هذه الإعلانات تكون مبتسرة وسابقة لأوانها.
لقد كشف كوشنر السر دون أن يقصد، وهو الذي سرعان ما تتحول كل واحدة من جولاته العامة إلى كارثة.
خذ على سبيل المثال المقابلة التي أجراها معه روبرت ساتلوف من معهد واشنطن، والتي أعلن فيها أن مسعاه يقوم على أساس “تكريس الحقائق”. الحقيقة الأولى هي أن القدس عاصمة إسرائيل، والحقيقة الثانية هي أن إسرائيل سيطرت على مرتفعات الجولان لاثنين وخمسين عاماً، ولذلك فهو يعتقد أنه لم يعد ثمة شك في أن تلك المنطقة أيضاً ينبغي أن تكون جزءاً من إسرائيل.
هل تعني الحقيقة هنا الاعتراف بالواقع أم بالحقائق على الأرض؟ لا شيء من ذلك إطلاقاً. إنما كان يشير مرة أخرى إلى الحقيقة التي وردت في المقدمة المبتهجة والمهدوية لخطابه الذي ألقاه في احتفال نقل سفارة الولايات المتحدةإلى القدس.
وقال كوشنر ووجهه يومض بالوحي: “أشعر بعظيم الفخر اليوم لوجودي في القدس، القلب الأبدي للشعب اليهودي. (لقد قال الرئيس ترامب) إنه سيعترف أخيراً بالحقيقة، حقيقة أن القدس هي عاصمة إسرائيل”.
الحقيقة هنا تعني تحقيق الوعد الإلهي. وذلك أن كوشنر وفريدمان كلاهما عدو لدود للصهيونية الليبرالية، والتي كانت مشروعاً علمانياً، بالضبط لأنهما يعتقدان بأنهما مبعوثان من قبل الرب. استمعوا إلى كوشنر وهو يصف إسرائيل في نفس ذلك الخطاب بأنها الجنة على الأرض – “الأرض الوحيدة في الشرق الأوسط حيث يتشارك اليهود والمسلمون والمسيحيون في العبادة بحرية… حامية حقوق النساء… واحدة من أنشط الأمم في العالم” – وحينها تتضح لكم الصورة.
لا حقيقة، لا تقرير مصير، لا تطلعات وطنية، لا تاريخ، لا مياه، لا أرض، لا حقول زيتون، سوى الإقرار بأن بإمكان إسرائيل أن تتواجد بين النهر والبحر في كتاب كوشنر وعلى الفلسطينيين بكل بساطة أن يقبلوا بذلك.
إن الذي يدور في ذهن كوشنر وذهن فريدمان هو ما يجري تنفيذه في الواقع الغريب المضحك المبكي على أيدي المستوطنين. بينما كان المزارعون في قرى المغير وكفر مالك يستعدون للاحتفال بعيد الفطر، أشعل المستوطنون الإسرائيليون النار في محاصيلهم، وفعلوا ذلك مراراً وتكراراً.
في تلك الأثناء، وبينما كان كوشنر يقوم بجولة في الشرق الأوسط، كان سفير إسرائيل في واشنطن رون ديرمر يسعى جاهداً للحيلولة دون تبني مجلس الشيوخ قراراً مدعوماً من قبل ممثلي الحزبين لإقرار حل الدولتين.
أن يصدر ذلك بقوة ووضوح بالأصالة عن أكبر قوة داعمة لإسرائيل، فإنه يعني التسريع بقدوم ذلك اليوم الذي ينتهي فيه المشروع الذي أريد من خلاله تكريس وجود دولة تقوم على مبدأ التفوق الديني، ولهذا السبب فأنا ممتن جداً لكوشنر وفريدمان لما يقومان به من عمل تدميري.
ورشة عمل البحرين
وتحدث الكاتب أيضاً عن أسباب أخرى، مشيراً الى أنه “لم يكن من السهل جلب الزعماء العرب للمشاركة في مؤتمر اقتصادي– تم الآن تحجيمه ليصبح ورشة عمل – في البحرين نهاية هذا الشهر، حيث من المفروض أن يحصل الالتزام بتوفير الأموال المطلوبة لتنفيذ هذه الصفقة”.
وأضاف: “يبدو أن الأردن ومصر والمغرب وافقت على الحضور، وستكون قطر أيضاً موجودة هناك، إلا أن ما يعتريهم من تردد في فعل أي شيء سوى الإنصات لما يقال إنما ينبع من إدراك راسخ لديهم بأنه ليس بإمكان زعيم عربي واحد إقرار ومباركة مثل هذه الخطة. وهذه حقيقة، وواقع على الأرض، لا يقل حجماً عن تلك الحقائق التي بإمكان الأصولي كوشنر اختلاقها.
المصدر: 24