وسام صعب -
إذا كانت التعديلات الدستورية في لبنان قد أرست واقعياً مبادىء النظام البرلماني وفقاً لمعايير وأسس محددة، إلا أن الممارسة السياسية رأيناها في كثير من محطاتها الأساسية مختلفة في بعض جوانبها عن طبيعة عمل هذا النظام، وذلك لأسباب كثيرة قد يكون أهمها واقع المجتمع اللبناني التعددي الذي يفرض مبدأ المشاركة الطائفية في الحكم كأساس للحياة السياسية فيه.
فأنماط التعامل على الصعيدين السياسي والدستوري في لبنان، تختلف تماماً عن أنماط التعامل في الأنظمة المشابهة ذلك أن الأرض التي ينبت فيها الدستور، هي التي تعطيه الملامح والأوصاف انطلاقاً من التربة الطائفية والسياسية، ومن بيئة التوازنات وقوى التأثير والتجاذب الإجتماعي والإقتصادي.
وإذا ذهبنا أكثر من ذلك، وافترضنا أن الدستور قد يقدم الصورة المثالية التي يرتجيها كل لبناني فإننا قد نكون مخطئين بعض الشيء، ذلك ان واقع العمل السياسي والتجاذب من بعض قوى الضغط والتأثير، قد أعادتا أو تعيدان نسج خيوط أو اطار نظام سياسي واقعي، إلى جانب النظام الدستوري المكتوب …
هذا فضلاً عن كون واقع التوازنات الطائفية كما وواقع المجتمع اللبناني التعددي الذي يحكمه مبدأ المشاركة الطائفية كأساس للحياة السياسية، قد أرست جميعها واقع نظام حكم هو في حقيقة الأمر مزيج من دستور ووفاق واعتدال. وهنا تكمن كل خصائص هذا النظام الإستثنائي، بحيث أن الدستور يلبي حكماً حاجة الدولة، والوفاق يؤمن حاجة المجتمع المتعدد الطوائف …
وعلى هذا يمكن القول، أنّ المسألة في لبنان ليست مسألة نصوص فحسب، إنّما احترام للنص من جهة، والتزام بالوفاق من جهة ثانية. والمسؤول القوي في لبنان هو الذي يحترم النصوص والمؤسسات، ويحرص على الوفاق ورأي الآخر. فالسلطة في لبنان لا يفترض إلا أن تكون انعكاساً لهذا الجانب من الوفاق والاعتدال.
وقد دلّت التجربة السياسية ان لبنان لا يُحكم إنطلاقاً من دستوره فقط أو بمنطق التفرد في اتخاذ القرارات وإنما ميثاقيا بالتوافق والتسويات ، وهذه ميزة النظام اللبناني واستثنائيته وتفرّده عن كل أو معظم أنظمة دول العالم. ومن هنا فإنّ العبارة الواردة في مقدمة الدستور، "بأن لا شرعية لأي صيغة تناقض ميثاق العيش المشترك"، جاءت كاملة بمعناها ومقصدها وأهدافها، لأنها اختصرت مفهوماً كاملاً لحياة لبنان عامة، ولشؤونه الوطنية. إذ إنَه من الصعب في لبنان أن تنجح أية عملية بناء على الصعيد الوطني في اطار النهوض بالدولة وحماية مقوّماتها ما لم تكن مستندة إلى مقتضيات الوفاق أولاً وأخيراً، الذي هو من أبرز سمات النظام اللبناني. ومن هنا مقولة: "إن الدستور يلبي حكماً حاجة الدولة، والوفاق يؤمّن حاجة المجتمع المتعدّد الطوائف".