"ذئاب منفردة" او "ذئاب جماعية" من طرابلس عاصمة محافظة الشمال في لبنان الى سيناء الجزء الآسيوي من مصر، تبقى الحقيقة واحدة وهي استمرار مسلسل الارهاب في المنطقة العربية الذي يقض مضاجع المجتمع والدولة من خلال ضرب وإضعاف القوات المسلّحة.
وهو فكر لم يأتِ من عدم بل قام على تنظير للمسمى سيد قطب في السبعينات فيما يُعرف بالسلفية الجهادية التي تأدلجت وتعسكرت في افغانستان مع اسامة بن لادن وتمددت مع اتباعه في كل من العراق ثم ليبيا وسوريا وغيرها. ولا شك ساهمت الظروف الجيوسياسية منذ السبعينات الى نشره ومنها ضعف الانظمة العربية في مشاريع التنمية والتحديث وتحرير فلسطين والاحتلال السوفياتي لأفغانستان باستخدام الدين الاسلامي لأغراض سياسية بتمويل من مملكات النفط للمعاهد الدينية وبروز فضائيات مشجعة على ما سمي يوماً بالجهاد بالاضافة الى نجاح الثورة الاسلامية في ايران ما أعطى حوافز للقوى الاسلامية الاخرى كي تحذو حذوها انما بفشل يومها في كل مصر وسوريا. ساهمت هذه المتغيرات على مدى ٤٠ عاماً في تحوير الفكر العربي من النهج الحنيف القائم على قيم الاعتدال والتعايش الى النهج العنيف المبني على التكفير والتطرف. ولم يكن ينقص المنطقة العربية سوى ما عُرف بحقبة "الربيع العربي" الزائفة التي لم تكن من أجل الحرية والديمقراطية بل غذت الافكار المتطرفة والانقسامات العميقة بين السنة والشيعة. فكم من العلماء والأئمة في خطاباتهم "يوم الجمعة" كانوا يشجعون الشباب على القتال في سوريا لنصرة أخوانهم في الدين. وكم من الشباب من طرابلس والضنية استشهدوا في سوريا ودفنوا هناك! حقيقة يخبرها شباب نشأوا على هذا الواقع التحريضي وتأثروا به حتى من دون علم أهلهم أحياناً. ويخبر احدهم انه هو كان مشروع "ضحية" وكان يستعد للذهاب في سوريا الا انه وبالمراقبة استدرك ان منطقته تغص بالنازحين السوريين الذين يعملون ويعيشون بشكل طبيعي مع عائلاتهم متسائلاً لم لا يذهب هؤلاء للدفاع عن ارضهم ودينهم ان كان للقضية معنى خاصة وان من تتلمذ على يديه دينياً يصح ان يُطرح عليه السؤال "من اين لك هذا"؟!
قسم تشوهت في عقله القيم وعاد ادراجه مرتداً يائساً وقسم آخر ما زال يبحث عن المشروع الوهم الذي تأدلج عليه.
فبالنسبة للقسم الأول، حكاية من حكايات كثيرة يخبرها شباب طرابلسيين متأثرين على واقعهم المتردي بقولهم "الدولة ما بتسأل عنا" بفعل البطالة وانعدام التنمية والمشاريع الاستثمارية ما يجعلنا عرضة للاستغلال الدائم و"لا يعرفوننا الا يوم الانتخابات"... معوّلين على تجديد الخطاب الديني كما طالب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من مؤسسة "الازهر" القيام به عبر بث قيم الانفتاح والحوار لتحصين المجتمع من ذاته. اما القسم الآخر فهو يحتاج فعلاً الى تأهيل وتدريب وتثقيف لأن الفكر المتطرف مثله مثل المخدرات بحاجة الى علاج نفسي واجتماعي وديني وهي مسؤولية مشتركة للسلطتين المدنية والروحية والا سيبقى المجتمع عرضة للخطر من ارهابيين متنقلين.
ان انهيار "داعش" كدولة ساهم في احباط المنضويين في صفوفها فعادوا الى بلدانهم الاصلية مع معتقدات واساليب في التوحش، لذلك من المفترض ان تأخذ الحكومة اللبنانية المسألة بجدية اكبر في اطار سياستها في مكافحة الارهاب لا في تبسيط الامر كحالة شاذة منفردة او المفاجأة من تكرار المأساة.