كي لا نصير ماسحي أحذية في جمهورية جبران باسيل
2019-06-06 02:40:37
"" - قاسم يوسفقبل أن ندخل غمار الاشتباك السياسي المشتعل، ثمة سؤالٌ جوهري لا بد من الإجابة عليه: متى يكون الصمت مسؤوليةً وترفعًا ومتى يصير هروبًا واستسلامًا؟ في حالة رئيس الوزراء، أي رئيس للوزراء، يترفع رأس السلطة عن المماحكات والصغائر، ويترك لفريقه اللصيق أو الأقل التصاقًا أن يرد العين بالعين، وذلك استنادًا إلى طبيعة الاشتباك وماهيته ومضامينه، وإلى مسؤولية سياسية ووطنية. لكن هذا لا يستوي مع المتحركات العاصفة التي شهدتها البلاد على مدى الأسبوع الماضي. حيث بدا أن صمت سعد الحريري وغيابه تجاوز منطق الحرص والترفع، إلى ما يشبه الهروب والاستسلام.يهرب سعد الحريري من مسؤولية تاريخية تبلورت في واحدة من أوضح وأنضج صورها المكثفة على الإطلاق، وقد بدأت مع كلام سياسي يمس جوهر الطائف وروحيته، ويلامس الخطر الوجودي والكياني لمكوّن أساسي في تركيبة الدولة والنظام، ثم تلاحقت مع سلسلة فظيعة من التطورات التي تصب جميعها في الإطار نفسه، انطلاقًا من قرار مهين ومستفز اتخذته المحكمة العسكرية، مرورًا بخطاب رهيب لأمين عام حزب الله، وصولاً إلى المذبحة المدوية في طرابلس. هناك حيث شعرنا بأن كل ملح الأرض حط فجأة في جرحنا الذي لا يطيب.آثر سعد الحريري إزاء كل هذا أن يهرب ويصمت. وأن يتركنا وحدنا في قلب لهيب لا يهدأ. حتى بدا في صورته الموزعة صباح العيد أشبه بسائح منفصل تمامًا عن الواقع. فيما كانت طرابلس تلملم جراحها، وكان الزلزال يعصف بأهله ويدفعهم مرغمين إلى حمل راية الكرامة التي رُميت على قارعة التسويات المذلة، وإلى إطلاق كلام الحق الوطني الذي حوّله نهاد المشنوق إلى عاصفة اجتاحت كل الضمائر، واستحالت قطارًا لا بد ركوبه، وقد ركبه الجميع، كبار القوم وصغارهم، وحده سعد الحريري من تخلّف عن مواكبته أو الحضور إلى محطته.ما قبل هذا المخاض لن يكون قطعًا كما بعده. كاد خبر اتصال سعد الحريري بجبران باسيل أن يُفجر المشهد برمته وأن يقلب الطاولة بوجه الجميع، حيث شعرت الكثرة الكاثرة أن مجرد الكلام ورفع الصوت لم يعد يؤتي أُكله إزاء هذا الإصرار الفظيع على الاستسلام والانبطاح، لكنها عادت وتنفست الصعداء أمام نفي باهت ومتأخر لا يرقى إطلاقًا لتطلعاتها وحجم أزمتها، وكأنها كانت تبحث عن أي عذر يُخفف حقيقة مصابها بوريث رفيق الحريري الذي استحال ماءً في فمها، وخنجرًا في قلبها، وصفعة مدوية على وجه حاضرها ومستقبلها. أمس انتفض المفتي. هرع رؤساء الحكومات. استيقظت كل النخب واستنفرت جموع العوام. لسان حالهم جميعًا ينطوي على رسالة واحدة وعلى إنذار أخير: انتبه يا دولة الرئيس. هذه فرصتك وفرصتنا الأخيرة. بعدها سيذكر التاريخ أن كرامتنا الوطنية سُحقت بين يديك. وأن هزيمتنا المدوية كانت جزءًا لا يتجزأ من ضعفك وهوانك، وأنك حوّلتنا بقدنا وقديدنا من أهل العدد والمدد إلى ماسحي أحذية في جمهورية جبران باسيل.
وكالات