مثل كرة ثلج تتدحرج وتكبر بسرعة مذهلة، نزل تصريح وزير الخارجية ورئيس التبار الوطني الحرّ جبران باسيل، قبل أيام، عندما اتهم ما أسماه “السنيّة السّياسية” بأنها “أتت على جثة المارونية وسلبت كل حقوقها ومكتسباتها”، قبل أن يخلص إلى أنه “نحن نريد إستعادتها منهم بشكل كامل”.
كان هذا التصريح كافياً لأن يخرج كل شياطين السّياسة وأفاعيها من أوكارها، وأن يضع السّاحة السّياسية أمام مرحلة جديدة من السّجال الحاد، خصوصاً بين التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل، تكاد تكون كافية لأن تصيب البلد بالشلل، وأن تنسف، أو على أقل تقدير، أن تجمّد إلى وقت ليس قصيراً كل التسويات السّياسية الهجينة التي أنتجتها الفترة السابقة، وأن تخرج كل الضغائن السياسية من الصدور برغم محاولات احتوائها.
ويمكن في ضوء السجال الحاد الذي دار، في الآونة الأخيرة، بين مسؤولي ومناصري التيار البرتقالي والتيار الأزرق، التوقف عند نقاط عديدة، من أبرزها:
أولاً: أسهمت تصريحات باسيل والسّجالات التي دارت بين مسؤولي التيارين، الوطني الحرّ والمستقبل، في “ضرب” العلاقة الهجينة بين التيارين منذ التسوية الرئاسية قبل أقل من ثلاثة أعوام، والتي أدت إلى إيصال العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، واهتزازها إلى حدّ احتمال سقوطها؛ وفي توتر سياسي إسلامي ـ مسيحي أعاد إلى الاذهان أجواء ما قبل العام 1975 واندلاع شرارة الحرب الأهلية؛ وفي تلقي باسيل ضربة قوية نتيجة “سقطته” التي ستقلص بلا شك من حظوظه الرئاسية.
ثانياً: شكّل تصريح باسيل فرصة ذهبية لخصومه، داخل السّاحة المسيحية وخارجها، للتأكيد أن الرجل قد أصبح عبئاً على العهد، وليحمّلوه مسؤولية القسم الأكبر من التوتر والإنقسام السياسي السائدين، بعدما تسبّب، سابقاً، بسبب مواقفه وممارساته في “ضرب” كل التوافقات والتفاهمات والتحالفات السّياسية التي نسجها التيار الوطني الحرّ مع الفرقاء الآخرين، من تيار المردة إلى القوات اللبنانية وصولاً إلى تيار المستقبل، بحيث لم يبق من حليف فعلي للتيار البرتقالي سوى حزب الله، الذي تشهد علاقته به برودة لم تعد خافية على أحد.
ثالثاً: يحاول باسيل بمواقفه شدّ عصب الشّارع المسيحي، وخصوصاً الماروني، وكسب ولائه، وتصوير نفسه أمامه بأنه الذي يسعى لاستعادة “عزّ” و”مجد” مارونية سياسية، برغم أنه ليس من نتاجها، وهو خارج ناديها السياسي التاريخي، بل إن حضوره وحضور تياره السياسي أتى على حساب تراجع بعضها أو أفوله، كما هو حال تيار المستقبل تماماً.
رابعاً: عندما يقول باسيل إنه يريد استعادة “حقوق الموارنة” من “السنّية السّياسية، يغيب عن باله أن الموارنة خصوصاً والمسيحيون عموماً دفعوا أثماناً باهظة ثمن هكذا شعارات لم تجلب سوى الخراب والدمار لهم وللبنان، وأن الذين استفادوا من المارونية السّياسية سابقاً لم يكونوا سوى أزلام أهل السلطة، وأن فئات ومناطق مسيحية ومارونية واسعة حُرمت من نعيم السلطة لأنها كانت في موقع المعارضة؛ والمفارقة أن الأمر ذاته ينسحب على السنّية السّياسية التي وُلدت بعد اتفاق الطائف مع مجيء الحريرية السّياسية، إذ بعد مضي نحو ثلاثة عقود على قدومها، تبين أن معارضي الحريرية السّياسية نالوا إضطهاداً سياسياً غير مسبوق، وأن أغلب المناطق السنّية، وتحديداً في الشمال، لم تكسب من السنّية ـ الحريرية السّياسية سوى أنها أصبحت أكثر مناطق لبنان والبحر المتوسط فقراً وإهمالاً وحرماناً.