طرابلس، المدينة التي لطالما عُرفت بحيويتها السياسية ومواسمها الانتخابية الصاخبة، تبدو هذا العام هادئة على نحو غير مألوف. لا تعبئة شعبية تُذكر، ولا حماسة انتخابية في الشارع، على الرغم من اقتراب موعد الاستحقاق البلدي. فالمشهد في العاصمة الثانية للبنان لا يزال غامضًا، تغلّفه الضبابية وعدم اليقين، سواء لجهة اللوائح المرشحة أو المزاج العام لأهالي المدينة.
في السنوات السابقة، كانت طرابلس تحتفي بالانتخابات كعرس سياسي واجتماعي، تتصدّر فيه مكبرات الصوت المشهد، وتتنافس اليافطات على جدران الأبنية، وتُغرق الشعارات الطرقات. أما اليوم، فالصورة مغايرة تمامًا. بعض اللافتات الانتخابية بدأت تظهر في عدة احياء كالتبانة، القبة، والزاهرية، لكنها لا تزال خجولة ومحدودة التأثير، وتبدو أقرب إلى محاولات لكسر الصمت اكثر من كونها حملة انتخابية منظمة.
في جولة ميدانية لـ”” داخل أحياء المدينة، برز تنوّع في مواقف المواطنين بين اللامبالاة، الحذر، والتطلّع إلى تغيير طال انتظاره.
يقول الحاج عماد محسن: “الأزمة في طرابلس لا تتعلق بغياب مرشحين، بل بأزمة ثقة عميقة ومتجذّرة بين المواطن والسلطة المحلية. ما نحتاجه ليس شعارات فضفاضة، بل برنامج فعلي وملموس يُعالج مشاكل المدينة المزمنة من نفايات، وفوضى سير، وبنى تحتية مهترئة”.
في المقابل، تؤكد إحدى السيدات، وهي صاحبة محل تجاري في الأسواق القديمة، تصميمها على المشاركة في الاستحقاق قائلةً: بالنسبة لي، الاقتراع واجب لا يمكننا أن ننتقد الأوضاع ونتهرّب من مسؤولياتنا. صحيح أن الخيارات قد لا تكون مثالية، لكن الامتناع لن يغيّر شيئًا. سأمنح صوتي لمن أراه الأقرب للناس والأكثر شفافية”.
أما الحاج علي، وهو صاحب مكتبة في منطقة الزاهرية، فيبدي قلقه من احتمال تأجيل الانتخابات، قائلاً: الصورة العامة توحي بأن شيئًا ما غير طبيعي. لا تحالفات ظاهرة، ولا حملات جدية. هناك حديث في الشارع عن إمكانية تأجيل الاستحقاق بسبب ضعف الجهوزية، لكن ذلك سيكون خطأ كبيرًا طرابلس تحتاج إلى تغيير عاجل، لا إلى مزيد من الانتظار”.
معارك في الكواليس… وتكتيك التأخير المقصود..
ورغم هذا الركود الظاهر، لا يعني أن المعركة لن تشتد في اللحظات الأخيرة. فمعظم القوى السياسية لا تزال منهمكة في رسم تحالفاتها بصمت، وتستعد للدخول في المعركة من الباب الخلفي، وفق ما يُشبَّه بتكتيك “الانقضاض المتأخر”. حيث ان بعض الأطراف تتعمد تأخير إعلان لوائحها وبرامجها، في محاولة لتقليص فترة المواجهة، وتفادي الاستنزاف الإعلامي والجماهيري.
لكن هذا النهج، وإن بدا محسوبًا في نظر البعض، إلا أنه يُضعف النقاش العام ويُربك المزاج الشعبي، فيحصر المنافسة بين الأسماء لا بين البرامج. كما يُفرغ العملية الانتخابية من مضمونها التنموي، ويحيلها إلى مجرد سباق سلطوي على موقع الرئاسة البلدية.
ومع ذلك، تبقى الأنظار متّجهة إلى الأيام القليلة المقبلة، التي قد تحمل ما يكسر الجمود، أو تؤكّد أن الانتخابات البلدية في طرابلس، هذه المرة، ليست أكثر من تمرين ديمقراطي هذا على صعيد المرشحين اما على صعيد الناخبين فلا بدّ من التأكيد أن التغيير لا يأتي من الخارج، ولا من الصدفة، بل من صناديق الاقتراع. وإذا كان المواطن قد سئم الوجوه نفسها والوعود المتكررة، فإن صوته يبقى السلاح الأول لرفض الواقع وفتح الباب أمام بدائل جديدة. فطرابلس تستحق من أهلها أن يتحمّلوا مسؤوليتهم، وأن يقفوا أمام هذا الاستحقاق بوعيٍ ويقظة، لأن ترك الساحة فارغة، هو أسوأ ما يمكن أن يحدث للمدينة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها..
موقع سفير الشمال الإلكتروني