مع بداية هذا الأسبوع يمكن القول أنّ العدّ التنازلي للإنتخابات البلديّة والإختياريّة قد انطلق فعلياً، وأنّ الأنظار ستتوجه إلى محافظة جبل لبنان حيث ستجري أولى جولات الإستحقاق المحلي يوم الأحد المقبل، 4 أيّار الجاري، في محاولة لاستقراء توجّهات الناخبين وما يمكن أن تسفر عنه الإنتخابات من نتائج لمعرفة ميول الرأي العام بعد 9 سنوات على آخر إنتخابات بلديّة واختياريّة.
ولا يقتصر الإهتمام بالجولة الأولى من الإنتخابات المحليّة على ما ستسفر عنه من نتائج، إنّما يتجاوز ذلك إلى نواحٍ أخرى تتجاوز التنافس والصراعات بين العائلات والأفخاذ والفروع طمعاً بفوز بلدي هنا أو إختياري هناك، في أجواء إعتاد عليها اللبنانيون في كلّ إستحقاقٍ من هذا النّوع.
ونظراً لاتساع رقعة محافظة جبل لبنان، والعدد الكبير للبلديّات فيها، والتنوّع الطّائفي والمذهبي والسّياسي الذي تتمتع به، فإنّ الإهتمام بالإنتخابات فيها سيتركز على نقاط عدّة، من أبرزها ما يلي:
أولاً: إلى جانب التنافس المعتاد بين العائلات في هذه الإنتخابات، فإنّ محافظة جبل لبنان، نظراً لكونها مركز ثقل الطوائف المسيحية، مقارنة ببقية المحافظات الأخرى، ستدور فيها منافسات شديدة بين الأحزاب والتيّارات والشّخصيات المسيحية، التي سترى في الاستحقاق المحلي فرصة لاثبات وجودها. ويأتي على رأس هؤلاء التيّار الوطني الحرّ والقوّات اللبنانية، حيث قطع كلّ طرف منهما أيّ إمكانية للتحالف نظراً للهوّة الكبيرة بينهما، سياسياً وشعبياً، وانطلاقاً من حسابات متضاربة للطرفين: التيّار يرى فيها فرصة لإثبات أنّه ما يزال القوّة البارزة شعبياً في الشّارع المسيحي، والقوّات التي تجد في الإنتخابات فرصة لتحجيم التيّار بعد خروجه من السّلطة.
ثانياً: في حين تتسم الإنتخابات البلديّة والإختيارية في البلدات المسيحية في محافظة جبل لبنان بالتنافس بين المكوّنات السّياسية والعائليّة المسيحيّة، فإنّها في البلدات ذات الغالبية والوجود الدرزي تتجه نحو التوافق والتفاهم، بعد اتصالات أجرتها قيادات الدروز لهذه الغاية، لتجنيب الشّارع الدرزي خلافات وانقسامات هو بمنأى عنها هذه الأيّام، في ظلّ ما يجري من تجاذب بين وحول الدروز في سوريا وفلسطين المحتلة، وهو تجاذب له أبعاد مصيرية إمتدت آثاره إلى لبنان.
ثالثاً: إلى جانب الثنائية المسيحية والدرزية في محافظة جبل لبنان، يبرز إهتمام واسع بتوجّهات الناخبين السنّة هناك بعد إعلان الرئيس سعد الحريري إبتعاده عن خوض هذه الإنتخابات، ما طرح تساؤلات حول أين سيصبّ الناخبون السنّة أصواتهم، بعدما كان التيّار الأزرق مرجعيتهم الرئيسية في الإستحقاقات السّابقة.
والأمر نفسه يسري على النّاخبين الشّيعة في المحافظة إياها، فهل أنّهم سيصوتون إلى جانب حلفاء سابقين لهم كالتيّار الوطني الحر، مثل حزب الله مثلاً، الذي فضّ رئيسه جبران باسيل تفاهمه معه عدا عن عدم إنسجامه مع حركة أمل،، وهل أنّ هذا الإفتراق السياسي سيترك تداعيات على تحالفات ونتائج الإنتخابات البلديّة في البلدات المختلطة.
رابعاً: لطالما تعاطت القوى والشّخصيات السّياسية مع الإنتخابات البلديّة والإختيارية إنطلاقاً من حسابات الربح والخسارة متعلقة بالإنتخابات النيابية، وهذا التعاطي ما يزال على حاله. ذلك أنّ القوى السّياسية على اختلافها التي تتعاطى مع الإستحقاق المحلي بشكلٍ أو بآخر، فإنّها تنظر للإنتخابات على أنّها إستعداد مبكر للإنتخابات النيابية في العام المقبل، ما يجعل الإنتخابات البلدية، تحالفات ونتائج، رهن الإنتخابات النيابية المقبلة وأسيرة غير معلنة لها.
موقع سفير الشمال الإلكتروني