في مشهد غير مألوف على الساحة اللبنانية، انتشر يوم أمس فيديو يُظهر الشابة رنا محمود درويش، وهي ترتدي زياً عسكرياً رسمياً ضمن فرقة خاصة لحماية الشخصيات. رنا، التي تنتمي إلى سلك أمن الدولة منذ نحو ثلاث سنوات، ظهرت بثقة في مهمتها، لتشكل صورة جديدة ومختلفة عن دور المرأة في المؤسسات الأمنية اللبنانية.
الفيديو الذي تداولته مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة، أثار موجة من التفاعل الواسع بين مرحّب ومُشيد بهذه الخطوة، وبين انتقادات وتعليقات سلبية طالت مظهرها أو دورها، في محاولة لتقزيم وجودها في ساحة لطالما اعتُبرت “حكراً على الرجال”.
لكن تجربة رنا ليست معزولة أو غريبة في السياق العالمي. ففي فرنسا، نرى نساءً يتولين حماية رؤساء ووزراء، وهنّ جزء أساسي من الحرس الجمهوري. وفي الولايات المتحدة، يتولى العديد من النساء مسؤوليات حساسة في جهاز الخدمة السرية (Secret Service)، ومنهن من رافقن رؤساء خلال تنقلاتهم. كذلك، في الأردن والامارات، بدأت المرأة بالدخول إلى مجالات أمنية حساسة، بعد تدريب مكثف ومهني عالٍ، يؤكد أن الجدارة لا تقتصر على جنس دون آخر.
انتقال صورة “المرأة الأمنية” من الهامش إلى الواجهة في لبنان، كما جسّدتها رنا، لا يبدو مجرد استثناء، بل ربما بداية لمرحلة جديدة تُعيد رسم دور النساء في مؤسسات الدولة ومواقع القرار.
وفي حديث لموقع “لبنان الكبير”، تؤكد شقيقتها غنى درويش أن رنا لطالما حلمت بهذا الدور منذ الطفولة: “من هي وصغيرة، كانت رنا لما يسألوها شو بتحب تعمل لما تكبر، تقول: بدي امسك بارودة، وكون متل عمو الجيش. كبرت رنا، وسبحان الله، حققت حلمها”.
“نحن ثلاث بنات، وربينا ببيت بيقولوا عنه بيت بنات، بس بابا كان دايماً حنون وداعم، وبيترك لكل وحدة منا حرية الاختيار. وقتها كانت رنا بعدها بالجامعة، وقدّمت وانتظرت تقريباً سنتين أو تلاتة، لحد ما أعاد الرئيس ميشال عون فتح الدورة، وانقبلت، وكانت فرحتنا لا توصف”، بحسب درويش التي تقول: “من وقتها، وهي منضمة إلى فرقة حماية الشخصيات. وبعد انتشار الفيديو، ما وقفت الاتصالات من الناس، الكل عم يحكي عنها. رنا بتلبس البدلة بفخر، والعالم بينظرلها باحترام”.
وتضيف: “حتى التعليقات اللي نحنا قريناها، ما أثّرت فيها. قالت ببساطة: كل واحد حر برأيه. وهي فعلاً، آخر همها الناس، لأنها عارفة حالها منيح وعم تعمل الشي اللي بتحبه”.
رنا درويش اليوم لا تمثل حالة فردية وحسب، بل تعيد التأكيد أن النساء قادرات على خوض جميع الميادين، حتى تلك التي توصف بأنها “أكثر قساوة”، ليس بكفاءة فقط، بل بفخر.
في بلد لطالما واجهت فيه النساء قيوداً اجتماعية وثقافية، تبرز رنا درويش اليوم كرمز للتغيير الهادئ، الذي لا يرفع شعارات، بل يتجسّد في الميدان، في الزي الرسمي، وفي نظرة احترام من المارة.
هي واحدة من كثيرات قرّرن كسر القوالب النمطية بصمت واحتراف، لتقول كلٌّ منهن، بطريقتها: “نحن هنا، لا لنكسر القاعدة فقط، بل لنرسمها من جديد”.