يكاد لا يمرّ يوم منذ إعلان وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجّار مواعيد إجراء الإنتخابات البلدية والاختيارية، وتحديد أولى جولاتها في 4 أيّار المقبل، إلا وتحفل منصّات وسائل التواصل الإجتماعي بأخبار وصور إجتماعات لوجهاء وفاعليات العائلات في المدن والبلدات والقرى اللبنانية على اختلافها، لمناقشة الإستحقاق الإنتخابي المحلي باعتباره مصيرياً بالنسبة لها.
وتحفل الأخبار الخارجة من هكذا إجتماعات بتوافقات أو خلافات داخل هذه العائلات وفروعها وأفخاذها، وبين عائلات وأخرى، حول مصير المجالس البلديّة والإختيارية، واختيار أعضائها، بما يجعل هذه الإجتماعات تبدو وكأنّها تفوق في أهميتها بالنسبة لهذه العائلات أهمية عقد جلسات الحكومة أو المجلس النيابي.. أو حتى جامعة الدول العربية أو مجلس الأمن الدولي!
هذا الواقع لم يتغيّر منذ أوّل إنتخابات بلدية واختيارية شهدها لبنان في العام 1952 وحتى اليوم، برغم مرور أكثر من 73 سنة على أول إستحقاق إنتخابي محلّي، وبرغم كلّ التطوّرات والمتغيّرات والأزمات والحروب التي مرّت على لبنان، وما تزال، إذ يبدو أنّ الإنتماءات العائلية ومعها الطائفية والمذهبية تتقدم عند اللبنانيين، بأغلبيتهم، على أيّ اعتبار أو انتماء آخر، وعلى رأسها الإنتماء للأحزاب اللبنانية بكل أطيافها.
فمن يتابع تحرّكات الأحزاب اللبنانية وكذلك أعضاء الطبقة السّياسية في لبنان، يلاحظ بوضوح أنّها تتحرّك خلف العائلات وليس أمامها، ولا حتى بالتوازي معها، لأنّها تدرك جيداً أنّ تجذّر الإنتماءات العائلية في لبنان أثبت بأنّه أقوى وأشدّ تماسكاً من أيّ إنتماء آخر، سواء لحزب أو تيّار أو زعيم أو مرجعية أو طائفة أو مذهب.
تقدّم العائلات على الطبقة السّياسية في هذا الإستحقاق الإنتخابي المحلّي دفع الأخيرة إلى النأي بنفسها عن التدخّل فيه، إلا بما يحقق التوافق أو الخروج بأقلّ الأضرار منه، ما دفع بعض الأحزاب والتيّارات إلى الإعلان عن عدم تدخّلها في هذه الإنتخابات بعد تجارب الإستحقاقات الإنتخابية السّابقة، والتي ارتدت عليها سلباً، وأدخلها في دهاليز وأزقة ضيقة باتت غير قادرة على الخروج منها، ولعلّ أكبر مثال على ذلك ما أعلنه الرئيس سعد الحريري، في 16 نيسان الجاري، بأنّه “إنطلاقاً من قناعتي بأنّ الإنتخابات البلدية هي إنتخابات أهلية إنمائية غير سياسية، وجّهت تيّار المستقبل بأن لا يتدخل في هذه الإنتخابات في كلّ البلدات والمدن اللبنانية، حفاظاً على الطابع العائلي والإنمائي لهذه الإنتخابات، واحتراماً لواقع أنّ لكل بلدة ومدينة شؤونها الإنمائية المحلية الخاصة”.
غير أنّه ليس كلّ أركان الطبقة السّياسية من أحزاب وتيّارات وشخصيات إبتعدت عن التعاطي مع الإنتخابات البلدية والإختيارية، إنطلاقاً من أنّ هذه الإنتخابات تعدّ إستحقاقاً واختباراً لتأكيد تماسك قاعدتها الشّعبية وزعامتها التي تنطلق منها، وهي للمفارقة قاعدة وزعامة أثبتت التجارب في كلّ مرّة أنّها تستند للإنتماءات العائلية قبل أيّ انتماء آخر، وما الأحزاب والتيّارات السّياسية التي لم تستطع كلّ السنوات السّابقة أن تلغي زعاماتها العائلية، وبالوراثة، إلى حدّ وُصفت معه بأنّها أحزاب العائلات، إلا دليلاً دامغاً على ذلك..
موقع سفير الشمال الإلكتروني