على بُعد أقلّ من إسبوعين من إجراء الجولة الأولى من الإنتخابات البلدية والإختيارية المرتقبة بمحافظة جبل لبنان، في 4 أيّار المقبل، كشفت إحصائية جديدة لشركة “الدولية للمعلومات” عن حصيلة مفجعة للبلديات في لبنان، وأنّ العمل التنموي المنتظر منها لن يتحقق في ضوء الواقع الصّعب الذي تعيشه.
فقد كشفت الإحصائية أنّ 50% من بلديات لبنان تحصل على عائدات من الصندوق البلدي المستقل تقلّ سنوياً عن 250 مليون ليرة (أقلّ من 2800 دولار أميركي)، وهو مبلغ زهيد يكاد لا يسدّ رمق البلديات ولا الحدّ الأدنى من إحتياجاتها الضرورية، هذا إذا تمّ استثناء دفع رواتب الموظفين وعناصر الشّرطة وإيجار مقرّ لبلدية معينة إذا كانت لا تملك مقرّاً خاصّاً بها، ما يجعل البلديات المعنية في هذه الحالة عاجزة تماماً عن القيام بأيّ عمل تنموي .. ولو كان على شكل إصلاح مصباح إنارة!
هذا العجز المالي في موازنة نصف بلديات لبنان يجعلها غير قادرة على إنجاز ما هو مطلوب منها، وتلبية إحتياجات المواطنين، في بلد إعتاد مواطنوه أن لا يدفعوا الرسوم المتوجبة عليهم لبلدياتهم إلّا بنسب قليلة، ما يدفع للسؤال: ما الحاجة والحال على هذا النحو إلى إيجاد واستحداث بلديات لا تحقق الأهداف المرجوة من وراء إنشائها بسبب العجز المالي الذي تعانيه، ولأنّها في الأساس تُولد ميّتة؟
“الدولية للمعلومات” أشارت في إحصائيتها إلى أنّه تمّ الإستناد إلى هذه المعطيات إعتماداً على المرسوم الرقم 14492 الصادر في 18/12/ 2024، الذي لحظ توزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل عن العام 2022 على البلديات الموجودة والقائمة، وهي 1065 بلدية، نصفها (أيّ 529 بلدية) عائداتها المالية سنوياً هي أقلّ من 250 مليون ليرة لبنانية.
لكن كان لافتاً في الإحصائية المذكورة أنّ محافظة الشّمال تصدرت لائحة البلديات التي تقلّ عائداتها عن المبلغ المرقوم. فمن أصل 154 بلدية هناك 91 بلدية شمالية تقلّ عائداتها السنوية عن 250 مليون ليرة لبنانية، بنسبة مئوية تصل إلى 59.09 %، ما يعطي إجابة واضحة عن الأسباب الفعلية لضعف الوضع التنموي في البلديات الشمالية، وعدم قدرتها على تأدية المطلوب منها، وعجزها عن ذلك. تليها بلديات محافظة الجنوب 58 %، وبلديات محافظة بعلبك ـ الهرمل 52 %، وبلديات محافظة البقاع 52 %، وبلديات محافظة جبل لبنان 49 % وبلديات محافظة النبطية 29 %.
وإذا كان استحداث بلديات صغيرة لا تعادل حيّاً أو مبنى في مدينة كبيرة هو السبب في تكاثر لا يجدي نفعاً لعدد البلديات، فإنّ دمج هذه البلديات الصغيرة في بلدية واحدة يبقى الحلّ العملي لتحويل البلديات إلى مؤسّسات أهلية قادرة على القيام بواجباتها، لأنّها بهذا الدمج تحصل على عائدات مالية أكبر من الصندوق البلدي المستقل.
غير أنّ هذا الدمج يصطدم برفض أغلب هذه البلديات التخلّي عن ما تعتبره حقّاً طبيعياً لها، وفي عدم رغبة رؤساء هذه البلديات في التخلي عن مناصبهم التي تبدو شرفية في المقام الأول، إضافة إلى صراع العائلات وخلافاتها الذي يعيق أيّ عمليات دمج، فضلاً عن صراعات القرى والبلدات والتدخّلات السّياسية، ما يبقي “البلديات الفقيرة” غير قارة على الخروج من مصير لا تملك القدرة على تغييره.
موقع سفير الشمال الإلكتروني