برغم أنّ قرار الرئيس سعد الحريري بمقاطعة الإنتخابات البلديّة والإختياريّة المرتقبة في 4 أيّار المقبل كان متوقعاً، إستناداً إلى تسريبات وتلميحات ومعلومات متواترة في الآونة الأخيرة حفلت بها وسائل الإعلام ومنصّات وسائل التواصل الإجتماعي، فإنّ ما أعلنه زعيم تيّار المستقبل، أول من أمس، شكّل ما يشبه الصّدمة لمناصريه والأوساط السّياسية على اختلافها، في ظلّ ترقب لما ستسفر عنه الإنتخابات المحلية من نتائج وتبعات سّياسية في ضوء قرار الحريري.
الحريري الذي برّر قراره بمقاطعة الإنتخابات وأعطى توجيهات إلى تيّاره بأنْ لا يتدخل فيها في كلّ البلدات والمدن، بأنّها “إنتخابات أهلية وإنمائية غير سياسية”، نأى بنفسه عن ذكر السّبب الرئيسي لهذا القرار وهو “الفيتو” الذي ما تزال السعودية ترفعه في وجهه وتمنعه من العودة لممارسة العمل السّياسي والإنتخابات، سواء كانت نيابية أم بلدية، لأنّ ما برّره حالياً بعدم التدخّل في الإنتخابات المحليّة لم يكن موجوداّ في قاموسه عندما شارك وتدخل في الإنتخابات البلديّة والإختيارية في دورتي 2010 و2016، عندما لم يترك تيّار المستقبل حينها مدينة أو بلدة أو حيّاً أو حارة إلّا وتدخّل فيها.
وإذا كان لافتاً في بيان الحريري الذي أعلن فيه قراره تناول بلدية بيروت دون غيرها من البلديات الأخرى، وتوجيهه رسائل متعدّدة إلى الحلفاء السّابقين قبل الخصوم، فذلك لأن بلدية العاصمة إستقطبت أوسع الإهتمامات منذ تحديد مواعيد إجراء الإنتخابات المحلية، إنطلاقاً من خشية أن تؤدي نتائج الإنتخابات البلدية فيها إلى الإطاحة بعرف المناصفة بين المسلمين والمسيحيين الذي حافظ عليه آل الحريري، من الأب الرئيس رفيق الحريري إلى الإبن الرئيس سعد الحريري، منذ انتخابات 1998 وحتى انتخابات 2016، قبل أن يؤدّي عزوف الأخير وإعلانه مقاطعة الإنتخابات إلى إرباك وخلط للأوراق، وجعل المناصفة مهدّدة وفي مهبّ الرّيح.
غير أنّ سؤالاً طُرح على نطاق واسع منذ إعلان الحريري موقفه حول مدى التزام منسقي وكوادر وقاعدة التيّار الأزرق بموقفه هذا بعدم المشاركة في الإنتخابات البلديّة والإختيارية، وتحذيره من أيّ محاولة من أيّ طرف (من يقصد؟) في العاصمة (ذكر الحريري بلدية العاصمة بيروت فقط ولم يأتِ على ذكر بقية البلديات والمناطق، فهل كان ذلك إستثناء مقصوداً، أم أنّه نتيجة طبيعية لموقفه بأن تشمل المقاطعة كلّ بلديات لبنان؟) بأن “يُنصّب نفسه متحدثاً باسم التيّار أو وصياً على جماهيره”.
تجربة الإنتخابات النيابية الأخيرة لا تنبىء بأنّ الإلتزام بمقاطعة الإنتخابات المحلية سيكون شاملاً، لأنّ مقربين ومحسوبين على التيّار الأزرق ترشّحوا في انتخابات العام 2022، فمنهم من ربح ومنهم من خسر، والأمر ذاته يُرجح أن يسري على الإنتخابات البلديّة والإختيارية التي سيخرج كثيرون من داخل القلعة الزرقاء ليعلنوا ترشحهم لها، وتبريرهم خطوتهم بأنّهم يفعلون ذلك لأنّهم ينتمون إلى عائلات ما فتئت تتعاطى مع الإنتخابات المحلية على أنّها إستحقاق عائلي بحت لا يمكنها بأيّ شكل من الأشكال أن تقاطعه او تدير له ظهرها.
موقع سفير الشمال الإلكتروني