لطالما كانت شوارع طرابلس، خصوصا في المناطق والأسواق الحيوية، مسرحًا لانتشار البسطات المخالفة التي تحتل الأرصفة وتعرقل حركة المرور من دون أي تدخل جاد من المعنيين.
مشهد مألوف لا يغيب عن عيون المارة، بائع يقف على الرصيف في مكان لا يسمح بمرور السيارات، محاطًا ببضائع عشوائية تملأ الطريق. ورغم أن هذه الظاهرة كانت قديمة، إلا أن الحل كان دائمًا بعيد المنال أو ربما غير مرغوب فيه من قِبل البعض الذين يعتبرون هذه البسطات مصدر رزقهم.
مشكلة البسطات والأكشاك المخالفة في طرابلس كانت تُعتبر، بشكل غير مباشر، جزءًا من “الثقافة المحلية”، حيث بات البائعون يعتمدون عليها كمصدر رئيسي للكسب. ورغم أن هذه الظاهرة لم تكن جديدة، كانت السلطات المعنية تتجنب مقاربتها، ما أدى في تنامي هذا المشهد الفوضوي فكانت الحلول دائما تتأجل أو تُقابل بتسويف ومماطلة، بسبب ضعف الإمكانات ولتجنب تأثيرها السلبي على الاستحقاقات الانتخابية.
في الآونة الأخيرة، ومع تصاعد حدة الفوضى في شوارع طرابلس، شهدت المدينة تدخلاً من السلطات المحلية والأمنية التي قررت اتخاذ خطوة جادة ترجمتها قوى الأمن الداخلي، بالتعاون مع شرطة بلدية طرابلس ومخابرات الجيش اللبناني، بإزالة الأكشاك والبسطات المخالفة في منطقة مستديرة السلام وساحة عبد الحميد كرامي وهما من أكثر المناطق ازدحامًا في المدينة، حيث تم استخدام آليات تابعة لبلدية طرابلس لتنفيذ الحملة.
وقد أكدت الجهات المعنية أن العمل مستمر وأن الحملة لن تقتصر على المستديرتين، بل ستشمل جميع الأماكن التي تشهد تجمعات غير مرخصة للبسطات المخالفة.
أما السؤال الأهم فهو ماذا بعد إزالة المخالفات؟.
رغم أن الحملة الأمنية حققت بعض النجاح في إزالة هذه البسطات وتنظيم الشوارع، إلا أن ذلك يبقى خطوة جزئية في معالجة المشكلة، فإزالة البسطات المخالفة لا تكفي لحل الأزمة بشكل كامل، طالما أن البائعين بحاجة إلى مصدر دخل، وأغلبهم يفتقر إلى أماكن رسمية لبيع سلعهم، كما أن المشكلة ليست في البسطات وحدها، بل في غياب سياسات فعالة لتوفير بدائل للبائعين. إذ لم يتم إنشاء أسواق مخصصة لهم أو توفير أماكن قانونية وآمنة لعرض بضائعهم، فمن المحتمل أن يعودوا لممارسة أعمالهم في الشوارع مرة أخرى، وقد يكون ذلك أسرع مما نتخيل.
إزالة البسطات المخالفة كانت خطوة ضرورية لطالما تأخرت. على أمل أن تكون هذه الحملة بداية لتغيير أكبر وأعمق في طرابلس لاسيما وأن المدينة بحاجة إلى خطط مستدامة فبدون حلول حقيقية، ستظل طرابلس تعيش في حلقة مفرغة من الوعود والحملات الأمنية المؤقتة، ما يهدد بتفاقم الأوضاع على المدى البعيد.
موقع سفير الشمال الإلكتروني