حتى قبل أن يعلن وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجّار، يوم الأربعاء الماضي، دعوة الهيئات الناخبة في محافظتي الشّمال وعكّار إلى الإنتخابات البلديّة والإختيارية المرتقبة في 11 أيّار المقبل، في إطار الجولة الثانية من الإنتخابات بعد الجولة الأولى التي حدّد موعدها في 4 أيّار المقبل، كانت صور المرشحين في مدينة طرابلس وأقضية الشّمال قد بدأت ترتفع على الجدران والشرفات وأعمدة الكهرباء والهاتف، إيذاناً بانطلاق العملية الإنتخابية بشكل فعلي.
غير أنّه كان لافتاً للغاية أنّ صور المرشّحين غلب عليها طابع المرشّحين للإنتخابات الإختيارية وليس البلدية، وبنسبة لافتة لا يمكن عدم التوقف عندها والتمعّن فيها، بشكل بدا فيه أنّ منصب المختار بات يُشكّل، لأسباب مختلفة، عنصر جذب للمرشّحين أكثر منه للمرشّحين لمنصب عضو البلدية أو رئيسها.
من أبرز هذه الأسباب أنّ تجربة السّنوات التسع الماضية، منذ آخر إنتخابات بلدية واختيارية جرت في العام 2016، السّنوات الستّ المحدّدة لولايتهم إضافة إلى سنوات التمديد الثلاث منذ العام 2022، كشفت أنّ منصب المختار كان أفضل بما لا يُقاس مقارنة بمنصب عضو البلدية أو حتى رئيسها.
في السّنوات التسع الماضية شهدت مجالس بلديّة عدّة، في مختلف المناطق، إنقسامات وخلافات متعدّدة، إمّا داخلياً بين الرئيس والأعضاء أو بسبب تدخّلات وضغوطات من خارجها أغلبها سياسي الطابع، ما أدّى إلى شلّ عملها وعجزها عن القيام بواجباها تجاه المواطنين، أو إلى حلّها وانفراط عقدها كما حصل في بلديّات عدّة، ما أدى إلى انتقال صلاحياتها للإشراف عليها إمّا إلى القائمقامين أو إلى المحافظين التابعين لها إدارياً.
وزاد من أزمة البلديّات الإنهيار المالي الذي حصل لاحقاً بعد حَرَاك 17 تشرين الأوّل 2019، وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، ما جعل الأموال المرصودة للبلديّات ذات قيمة متدنيّة، وأصبحت صناديق البلديات خاوية بعد وقوعها في عجز مالي كبير باتت معه غير قادرة حتى على دفع أجور موظفيها وعناصر الشّرطة فيها، فكيف الحال بتقديمها الخدمات المطلوبة منها للمواطنين.
ما عانت منه البلديات خلال هذه الأزمة عانى منه المخاتير، خصوصاً بعد أزمة فقدان الطوابع وارتفاع سعرها بعد تحوّلها إلى سلعة مفقودة تباع وتشترى في السّوق السّوداء، غير أنّه ما دون ذلك بقي للمخاتير دورهم الذي أثبت فاعليته أكثر من البلديّات.
فالمختار بقي “سيّد نفسه” في المدن والبلدات على حدّ سواء، فليس هناك من مجلس يفترض به حضور جلساته ليكون شاهداً على خلافاته، وليس هناك من رئيس له لكي يُصادر صلاحياته ودوره كما يفعل رئيس البلدية الذي تختصر صلاحيات البلديات فيه، وليس هناك من مطالب وخدمات يفترض به أن يُقدّمها للمواطنين وإلّا ستنهال عليه الإنتقادات في حال تخلّفه، لا بل العكس فإنّ أيّ خدمة يقدمها للمواطنين من إخراج قيد أو هوية أو شهادات ولادة أو وفاة أو زواج أو طلاق وغير ذلك، فإنّه يحصل على بدل أتعابه منها مع حبّة مسك.
إضافة إلى ذلك، فإنّ المختار الذي له حيثيته ومكانته الإجتماعية والشّعبية والقانونية، يُعدّ أيضاً “مفتاح إنتخابي” يتودّد إليه المرشّحون للإنتخابات النيابيّة لما له من تأثير في تأمين الأصوات الإنتخابية لهم، مقابل بدل مالي، ما جعل من منصب المختار، عموماً، أكثر إستقلالية ووجاهة ومنفعة مالية مقارنة بالمرشحين للإنتخابات البلدية، ما يُفسّر تفضيل كثيرين، في الإنتخابات المقبلة، منصب “المخترة” على منصب “العضو” أو “الريّس”.
موقع سفير الشمال الإلكتروني