في الثالث من أيلول عام ١٩٥٦ و بمبادرة من النائب ريمون إدة أُقر قانون السرية المصرفية في لبنان وقد ساهم هذا القانون في تنشيط الإقتصاد اللبناني فارتفع عدد المصارف من ٣١ في عام ١٩٥٥ الى ٩٣ في عام ١٩٦٦ و ما بين ١٩٥٠ و ١٩٦١ تضاعفت الإيداعات ٥،٧ مرات !!
و اليوم ..مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية ووجود سلطة تنفيذية كاملة ومتكاملة استؤنفت المفاوضات بين مسؤولين لبنانيين وصندوق النقد الدولي الذي كان اشترط على لبنان رزمة من الإصلاحات الجذرية لتقديم الدعم المالي له ،والتي ستعيد بدورها الثقة المحلية والدولية بلبنان..
أهم هذه الاصلاحات هي تلك المتمثلة بتعديل السّرية المصرفية وقانون اعادة هيكلة المصارف و قانون الانتظام المالي..
قانون تعديل السّرية المصرفية أخذ طريقه الى مجلس النواب على أمل ان يتم إصداره في المرحلة النهائية و هو يتناول تعديل الفقرتين “ه” و “و” من المادة ٧ من القانون المذكور، بحيث وبموجب هذا التعديل يُتاح الى لجنة الرقابة على المصارف،الهيئة المصرفية العليا وغيرها من الجهات الرقابية ذات الصلة المطالبة بكشف السرية المصرفية بمفعول رجعي لمدة عشر سنوات من تاريخ تقديم الطلب..
فهل يعني ان تعديل السّرية المصرفية هو انتهاكا لقانون السّرية المهنية وبالتالي خرقا لحقوق الإنسان؟؟.
إن إيداع مبلغ معين لدى أحد المصارف ينشأ عنه اتفاق بين المودع وإدارة المصرف ما يجعل هذا الإيداع خاضع لعلاقة تعاقدية ترعاها العديد من القوانين ذات الصلة الى جانب القانون العام (قانون الموجبات والعقود) أضف الى ذلك القواعد والمبادئ العامة.
هذا، وان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يحدد حقوق الإنسان الأساسية يفرض حمايتها عالميا، هذه الحقوق التي أسست الى أكثر من سبعين معاهدة، لبنان ملتزم بمعظمها..
المهم أن الإلتزام بالسّرية المهنية أثناء علاقة العمل أحد أهم الإلتزامات الأساسية وفق ما يقتضيه “مبدأ حسن النية” الذي يسري على كل العقود والذي يقتضيه تنفيذ كل العقود..
لكن في قضيتنا الراهنة فإن تعديل السّرية المصرفية هنا لا يعني زوال السّرية المهنية عن هذا التعامل بالمطلق، بل أن السّرية لا تزال موجودة لكنها مقيدة في حدود حماية المصلحة العامة والحفاظ على الانتظام العام ومكافحة الفساد، فالجهات الرقابية هي من يعود لها فقط رفع هذه السّرية ولأسباب مشروعة كالإثراء غير المشروع وجرائم تبييض الأموال و غيرها من الأعمال غير القانونية لكشف الفاسدين والمختلسين، إضافة الى أهمية السلطة الضريبية في لبنان وان يعود لها الإطلاع على الحسابات منعا من التهرّب الضريبي و هذا أمر بالغ الأهمية و على الدولة أن تتنبّه إليه..
المهم، وفي الختام نحن على أمل اليوم أن يصدر قانون تعديل السّرية المصرفية في القريب العاجل لكن هذه حلقة من حلقات متكاملة مترابطة مع بعضها البعض، فإلى جانب هذا القانون يجب إصدار قانون الانتظام والإصلاح المالي الذي عليه ان يحدّد نسبة مسؤولية كل من الدولة والمصارف عن تبديد أموال المودعين ليصار بعدها الى اعادة هيكلة المصارف بناءا على هذا الأساس وفي هذا إنصافا وتحقيقا للعدالة.. (ولا تزر وازرة وزر أخرى)
وهكذا، فبحماية المودع يستمر القطاع المصرفي وباستمرارية القطاع المصرفي يكون هناك تعافيا إقتصاديا وبالتعافي الإقتصادي نعيد جذب المودع من جديد..
الكاتبة: المحامية الدكتورة رنا الجمل..
أمينة سر الهيئة الوطنية لحقوق الانسان في لبنان.
موقع سفير الشمال الإلكتروني