2025- 04 - 17   |   بحث في الموقع  
logo بري: على أمل أن يكون درب الجلجلة والآلام، هذا العام من فلسطين الى لبنان رغم قسوة الجراح هي درب آمال logo إليكم مقررات جلسة مجلس الوزراء logo سلسلة استقبالات للمفتي دريان.. هذا ما بحثه مع زوّاره logo اللواء شقير عرض الاوضاع مع سفيرَي فرنسا ومصر logo وقفة تضامنية مع غزة في الجامعة اللبنانية..  logo برّي يهنّئ بعيد الفصح المجيد logo القصيفي زار رئيس بلدية بيروت.. هذا ما بحثاه! logo الجيش يوقف 7 أشخاص لإرتكابهم جرائم مختلفة
ترامب ينقلب على العولمة فهل يسقطها؟
2025-04-09 00:26:19

واهم من يعتقد أنّ ما يتّخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من قرارات هو وليد الساعة أو وليد جهد أو اجتهاد شخصي له وحده فحسب. فمنذ حملته الانتخابية الأولى التي انطلقت في العام 2016، ورفعه شعار "أميركا أولًا" بالتعاون مع ملهمه حينها وكبير مستشاريه للشؤون الاستراتيجية، ستيف بانون، وتركيزه على ضرورة حماية العمال والعمالة الأميركيين، البيض منهم بشكل خاص، وتقييد الهجرة، ومواجهة النخب العالمية التي تستفيد من انفتاح واشنطن التجاري لتحقيق مصالحها هي وليس مصلحة الولايات المتحدة، قدّم ترامب قضايا مثل التجارة مع الصين، وفقدان الوظائف، والهجرة غير الشرعية كجزء من حرب أوسع بين الشعب الأميركي والنخب "الفاسدة أو الضعيفة أو المتواطئة" حسب توصيفه.
انتقل ترامب وفريقه والحزب الجمهوري برمّته إلى حملة أكثر اندفاعًا وهي "إعادة أميركا عظيمة مجددًا" وما تم اختزالها بـ"Make America Great Again (MAGA)"، وهو شعار يوظّف ترامب من أجل تطبيقه كلّ إداراته والأدوات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية. ومن هنا نفهم وجود أكثر الشخصيات تأثيرًا في عالم الذكاء الاصطناعي والتواصل الاجتماعي والداتا والكلاودز (clouds) خلال حفل تنصيبه رئيسًا، لتأثيرهم العميق في عالم ينتقل رويدًا رويدًا إلى الذكاء الاصطناعي المقدّر له تغيير كل المفاهيم السائدة في عالم المال، والأعمال، والاقتصاد والعسكر. ومن هنا نفهم أيضًا الدور الذي أعطاه لإلون ماسك لإعادة تشكيل الإدارة الأميركية الجديدة والقيام بالإصلاحات التي يريد من خلفها ترامب توفير آلاف المليارات على الخزينة لمنع سقوط أميركا، كما سقطت الإمبراطورية البريطانية العظمى نتيجة التمدد والديون المرهقة. وعلى رغم أسلوبه المباشر والفظ غالبًا، فإن لترامب رؤية متماسكة للعالم الذي يريد، بغض النظر عن قدرته على النجاح، لكن شكوكه تجاه حرية التجارة والعولمة ليست جديدة.
يمكن بالطبع العودة إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، لتأريخ لبداية عصرالتجارة الحرة، لكن المرحلة التي أعلن ترامب نهايتها بدأت فعليًا في أواخر الثمانينيات، مع توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا، التي أصبحت لاحقًا اتفاقية "نافتا" بانضمام المكسيك. وكانت تلك مرحلة تحوّل تاريخي تزامنت مع سقوط الشيوعية وبزوغ العولمة، التي هدفت إلى إنشاء عالم موحد قانونيًا وإداريًا تحت مظلة "حوكمة عالمية". ولعلّ طرح العولمة قد بدأ قبل زمن طويل لكنّه اتخذ معناه الجدي مع أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفر ثيودور ليفيت الذي طرح مفهومه لعولمة الأسواق في العام 1983. “The globalization of markets is at hand. With that, the multinational commercial world nears its end, and so does the multinational corporation. The era of the global corporation has arrived.”
طرح ليفيت وقتها فكرة جديدة تقوم على أن الأسواق حول العالم بدأت تتشابه بسبب التكنولوجيا والإعلام والاتصال، ولم تعد الشركات بحاجة إلى تكييف منتجاتها لكلّ دولة على حدة. بل يمكنها إنتاج منتج عالمي واحد يلقى قبولًا في مختلف الدول، ما يحقق كفاءة أعلى وربحًا أكبر. وكي يفهم القارئ ما قصد ليفيت يكفي أن ننظر إلى شبكات مثل "ماكدونالدز" و"ستارباكس" ومنتجات "آبل" لندرك أنّ منتجًا واحدًا بات يباع حول العالم كله.
شُجّعت الشركات على الاندماج والانتشار حول العالم، وانتقلت الصناعات الفعلية إلى دول ذات تكاليف إنتاج منخفضة بشكل كبير، ما أدّى بالطبع إلى تراجع الصناعة بسرعة في مناطق كثيرة من الغرب، ترافق مع تدهور حالة الطبقات الوسطى حتى إفقارها وظهور طبقة بورجوازية جديدة ذات طابع عالمي، تتباهى بوعيها "العابر للحدود" وتمجّد حياة الترحال الدائم. وتطوّر مفهوم العولمة من الاستهلاك إلى الثقافة (هوليوود، زيادة مستخدمي اللغة الإنكليزية بشكل يومي لعدد هائل من سكان الأرض)، ما أدّى إلى قلق من "طمس الهويات الوطنية" خصوصًا في الدول النامية. ومع ظهور الإنترنت والسوشيال ميديا، أصبحت المعلومة تنتقل لحظيًا بين الدول وباتت المعلومات تتدفّق عبر أنهر لا تنضب. كلّ هذا خلق هيمنة معلوماتية أميركية كاسحة وسيطرة على ضخ الأخبار والمعلومات وحجب ما يريدون حجبه. كما تحوّلت العولمة إلى البيئة والسياسة، فبات للكون قممًا لدراسة الاحتباس الحراري، والأمن السيبراني وعلاج الأوبئة ولعلّ أهم مثال هو التدابير التي اتخذها الكون كلّه في التعامل مع جائحة كورونا من إغلاق المطارات إلى الطرقات إلى اللقاحات وشهاداتها العالمية.أين يقف ترامب اليوم؟ما يحصل الآن مع ترامب إذن هو انقلاب على فكرة العولمة التي تبنّتها الولايات المتحدة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي في العام ١٩٨٩ وما يجري الآن يشابه سقوط النظام الشيوعي الذي لاحت بشائر أضعافه من بولندا في العام ١٩٨٠، ومن إضرابات حوض السفن في غنادسك تحديدًا وصولًا إلى سقوط حائط برلين في العام ١٩٨٩ وختامًا سقوط ميخائيل غورباتشيف والاتحاد السوفياتي في العام ١٩٩١.
يقول متابعون كثر إنّ الانقلاب على العولمة بدأ خطواته الأولى خلال ولاية ترامب الأولى، وأن ما أعلنه عن "يوم التحرير" الأربعاء الواقع فيه الثاني من شهر نيسان ٢٠٢٥ هو لإتمام المهمة ليس إلاّ. لذا يُستَحسَن النظر إلى قرار رفع الرسوم الجمركية ليس كردة فعل آنية، بل بغاية أبعد وهي خلق دورة اقتصادية مختلفة على المديَيْن المتوسط والبعيد. فعلى المدى القصير جدًا، تُعَدّ هذه الرسوم بمثابة صدمة في الأسعار والإنتاج، وتشبه في بعض خصائصها الأثر الاقتصادي لجائحة كورونا. لكن على المدى الأبعد، من المتوقع أن تُدِرّ هذه الرسوم إيرادات كبيرة للحكومة الأميركية هذا العام والعام المقبل، كما أنّ إعادة توطين الصناعات الأميركية في البلاد قد تلعب دورًا متزايد الأهمية خلال العامَيْن التاليَيْن.ماذا يفعل ترامب ببساطة؟ ١- يسعى لإعادة التصنيع داخل الولايات المتحدة، وما الرسوم التي فرضها إلا وسيلة لتحقيق هذا الهدف.
٢-أهم المورّدين العالميين للولايات المتحدة، هما الصين والاتحاد الأوروبي بشكل عام، وألمانيا في هذا الاتحاد بشكل خاص. وفي تصريحات للصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأميركية، يوم الأحد الواقع فيه 6 نيسان 2025، قال ترامب إنّه لن يبرم أيّ اتفاق مع الصين ما لم يعالج العجز التجاري معها. وتابع أنّه تحدّث مع زعماء من أوروبا وآسيا بشأن الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارته: "مضيفًا لا أريد تراجعًا (في أيّ سوق)، لكن في بعض الأحيان يتعيّن تناول علاج من أجل التعافي"، في إشارة إلى اعتماد الاقتصاد الأميركي على الواردات. وقد شدّد ترامب على أنّ "الطريقة الوحيدة لحلّ هذه المشكلة هي الرسوم الجمركية". وقال ترامب: "أوروبا حققت ثروة من ورائنا وعاملتنا بشكل سيئ جدًا"، مردفًا: "إنّهم يأتون إلى طاولة (المفاوضات). يريدون التحدّث، لكن لن يكون هناك نقاش إلى أن يعطونا الكثير من المال على أساس سنوي".
٣- إذا استمر ترامب في هذا المسار، وهذا هو المرجح، فإنّ التجارة الدولية ستتوقّف عن كونها جسرًا يربط بين الدول، ليسقط مبدأ التعاون الذي بُنيت عليه العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب الباردة، ليضع مكانه مبدأ الهيمنة الأميركية.
٤-ما يهمّ ترامب هو استعادة القيادة الأميركية داخل وخارج الولايات المتحدة. ووفقًا لرؤيته "المركنتيلية"، فإنّ العجز في الميزان التجاري يمثّل عجزًا في القوة، وعليه، تكون السيطرة على العجز التجاري الأميركي ضرورة حيوية لبقاء أميركا قوية.
٥- ومن المرجح أيضًا تصاعد المشاعر المعادية للولايات المتحدة وعودة شعار "أميركا ارحلي" في أنحاء مختلفة من العالم. ويمكن أن نشهد على بعض التقاربات لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة في عهد ترامب، لكن بناء تحالفات حقيقية ما زال بعيد المنال وصعب البناء لأسباب ذاتية تتعلق بمصلحة كلّ دولة أو اتحاد على حدة. فإذا أخذنا الصين مثلًا، ستؤدي خطوة ترامب الحمائية إلى خسارتها السوق الأميركي، وبالتالي ستتوجه إلى السوق الأوروبي وتحاول التعويض فيه. إلاّ أنّه ليس لأوروبا مصلحة في الاستيراد من بكين، ولذلك سيكون من الصعب جدًا قيام تحالف صيني-أوروبي مثلًا في وجه واشنطن، وهذا ما ينطبق على جميع المصدّرين للولايات المتحدة، لأنّها ببساطة المستهلك الأكبر في العالم.
٦-الركود نتيجة لا مفر منها بعد رسوم ترامب الجمركية. وخلال أسبوع واحد بعد تلك الرسوم، تحوّلت التوقّعات من النمو القوي للاقتصاد الأميركي، وتسارع نمو معدلات التوظيف، وانخفاض معدل البطالة، وارتفاع الأجور إلى خطر الركود. وأصبح انخفاض الأسهم، وعمليات بيع السندات، وتكلفة التعريفات الجمركية، واحتمال ضعف الصادرات بسبب التعريفات الانتقامية، كلّها عوامل تؤثر على التوقعات بالدخول إلى مرحلة كساد. وتوقع بروس كاسمان، الخبير الاقتصادي في بنك "جي بي مورغان"، أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة 0.3 في المائة خلال العام الحالي، منخفضًا عن توقعات البنك السابقة في كانون الثاني الماضي حين توقع نمو الناتج المحلي بنسبة 2 في المائة.نحو حرب عالمية؟في النهاية يتّضح أنّ ما يقوم به ترامب، بل أميركا، لم يعد نزاعًا تجاريًا فحسب، بل بات إعادة صياغة شاملة للنظام الاقتصادي العالمي الذي "يتم تفكيك" قواعده. ويهدف ذلك لعودة الهيمنة الأميركية المطلقة على الاقتصاد العالمي وعودة مرحلة ما قبل العولمة والتعددية الاقتصادية والقطبية الكونية، إذا ما استطاعت واشنطن تحقيق ذلك. احتمالات النجاح والفشل متساوية، لكن ما يخيف أكثر أنّ أحداثًا سبقت الحروب العالمية تماثل ما يحدث الآن، ولعلّ المسرح الكوني بات أكثر جاهزية لحرب عالمية تبدأ بالاقتصاد وقد لا تنتهي إلا بما هو أخطر وأكثر فتكًا.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top