يبدو أن الاستحداث المرتقب لمنصب نائب لرئيس السلطة الفلسطينية، بمثابة مفتاح لخطوات متوازية ولاحقة، ستتخذها قيادة السلطة تحت عنوان "تجديد منظمة التحرير والسلطة معاً".
نائب.. وتعديلات بأدوار "التنفيذية" و"الوطني"
وهذا ما يُمكن استنتاجه من اتصالات وتحركات تجري في الأروقة الضيقة بقيادة السلطة سراً وعلانية، إذ أكد مسؤول فلسطيني لـ"المدن" أنه يجري العمل في هذه الأثناء على عقد اجتماع للمجلس المركزي لمنظمة "التحرير" في رام الله بين 21 و26 من الشهر الحالي، وستكون على أجندته أكثر من بند، على رأسها تعديل النظام الداخلي للمنظمة، بما يشمل استحداث منصب "نائب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير"، أي نائب رئيس المنظمة، إضافة إلى إجراء تعديلات في أدوار اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني، وهي خطوات ستصب في صالح "تجديد المنظمة والسلطة معاً"، تحت عنوان متطلبات المرحلة الحالية والمقبلة، بحسب مسؤول مقرب من عباس.
ووفق المسؤول، فإنه سيتم بالاجتماع المرتقب استحداث منصب "نائب رئيس المنظمة" خلال جلسة خاصة، لكن لن يتم اختيار اسم الشخص الذي سيتولاه، وسيُترك إلى بعد حين، إذ إنه وفق النظام الداخلي للمنظمة، فإن اللجنة التنفيذية هي المخولة بانتخاب المرشح من أعضائها كـ"نائب لرئيسها"، مثلما انتخبت محمود عباس رئيساً لها، أي رئيس منظمة "التحرير".
كما أكد المسؤول الفلسطيني لـ"المدن" أن الاستحداث سيكون لمنصب "نائب رئيس المنظمة ودولة فلسطين"، أي أن نائب رئيس المنظمة هو نفسه نائب رئيس السلطة، معتبراً أن المنظمة "المسؤولة" عن شؤون كل الفلسطينيين. ورفض هذا المسؤول الحديث عن المرشح الأوفر حظاً لتولي المنصب، بقوله إن هناك أكثر من اسم تتم دراستُه، إلا أن البعض لا يستبعد أن يقترح عباس اسماً ويمرره في أي لحظة عبر اللجنة التنفيذية، وربما يبقيه شاغراً إلى أجل غير مسمى.
وفي شأن دلالات انتشار فيديو أخيراً لأمين سر "منظمة التحرير" حسين الشيخ، يوحي وكأنه "الزعيم القادم"، أبدى المسؤول غضباً كبيراً إزاء الفيديو الذي أنتجته دائرة الإعلام في مكتب الشيخ، واصفاً الفيديو بـ"المخزي والمهين"؛ لأنه أظهر قيادات وكأنها تنتظر حسين الشيخ وتصطف لمصافحته، في حين أن سياق الأمر هو أن قيادات في السلطة والفصائل زارت ضريح الرئيس الراحل ياسر عرفات وصافحت بعضها هناك، كطقس معتاد في العيد.
أسماء جديدة إلى المركزية.. عبر مؤتمر "فتح" الثامن؟
لكن الاسم يبدو مرتبطاً بتحركات تجري أيضاً بعيداً عن الاعلام، لعقد المؤتمر الثامن لـ"حركة فتح"، لانتخاب لجنة مركزية ومجلس ثوري جديدين، وهي انتخابات قد تُدخل اسماً جديداً يريده عباس أو أطراف إقليمية ودولية لتولي منصب نائب رئيس المنظمة والسلطة. ووفق مصادر "المدن"، فإنّ هناك تسريبات في شأن نية ضم شخصيات جديدة إلى مركزية "فتح" حال انعقاد المؤتمر الثامن، لكن ليس بالضرورة بشكل عاجل. وهنا، يتردد اسم رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، باعتباره خياراً مدعوماً أميركياً، إذ تقول بعض المصادر إنه يستعد للتقاعد من منصبه الأمني، استعداداً لدوره الجديد، وسط حديث عن رغبة عباس بإدخاله إلى مركزية "فتح". وهذا يقود إلى الافتراض بأنّ منصب "نائب الرئيس" سيكون فارغاً لبعض الوقت، بينما أوضحت مصادر "المدن" أن حسم المسألة مغلقة في دائرة ضيقة برئاسة السلطة الفلسطينية، ما يعني أن ما يدور في عقل عباس ومقربيه، سيفرض نفسه على صعيد اختيار شاغِر المنصب وصلاحياته.
"الثوري" يجتمع الأربعاء.. لفهم الوجهة
والحال أنه من الناحية الإجرائية لا بد أن يكون هناك توافقاً فتحاوياً على نائب الرئيس الموعود، كخطوة استباقية لانتخابه من إطار أشمل متمثل باللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير".
لكن مصدراً فتحاوياً أوضح لـ"المدن" أن الترتيبات لعقد مؤتمر "فتح" الثامن تجري في نطاق ضيق جداً، وسط خلافات في شأن التوقيت الأنسب له، بينما أشار عضو مجلس ثوري بفتح لـ"المدن" أن الثوري سيعقد الأربعاء المقبل اجتماعاً تشاورياً، لفهم أكبر لوجهة الأمور ومسارها على مستوى الحركة والمنظمة والسلطة.. مُقدّراً أيضاً أن المؤتمر الثامن للحركة لن يكون قريباً، خصوصاً أن موعده حُدد سابقاً، ثم أُجّل بسبب الحرب على غزة.
العبرة بالصلاحيات.. لا الاسم!
لكن التحوّل الأكبر بمنظور مصادر سياسية، ليس بالاسم رغم "أهميته"، وإنما صلاحياته التي ستتحدد بالنظام المنوي تعديله، وهو ما يندرج عملياً ضمن مطالب وضغوط عربية عمرها سنوات، لتقليل صلاحيات رئيس السلطة عبر تعيين نائب له ومنحه صلاحيات أكبر، بموازاة تقاسم صلاحيات أخرى من خلال مناصب النوّاب، وهذا يُعطي صورة أشمل عن شكل القيادة الفلسطينية القادمة، فنائب "الرئيس" ليس شخصياً هو خليفة عباس بالضرورة؛ لأن الرغبة العربية أن لا يتحكم اسم بعينه بمفاصل أمور السلطة، وإنما ما يشبه مجلساً قيادياً قائماً على صلاحيات موزعة، ووجود رئيس للسلطة وآخر للمنظمة وآخر ل"فتح" في نهاية المطاف.
وتجدر الإشارة إلى أن دولاً عربية تضغط منذ سنوات باتجاه تقليل صلاحيات رئيس السلطة وعدم تمركزها في يده، من منطلق تجربتها مع عباس الذي تتهمه باتخاذ قرارات منفردة على المستوى الفلسطيني والسلطة والمنظمة و"فتح"، بدون مشاورة العرب أو الاستماع إلى مطالبهم وتوجيهاتهم في كثير من الأحيان، رغم أن عباس نفسه تولى رئاسة السلطة بدعم دول عربية معينة.
استبدال قادة الأمن.. بموالين جداً لعباس
مع ذلك، يواصل عباس ومقربوه نهج المناورة وتطويع الأمور لصالحهم، عبر إبقاء مفاتيح التحكم والسيطرة بيد فئة ضيقة، وجعل أي تجديد للمنظمة والسلطة ضمن مسار تحدده هي.. حيث غيّر عباس في الآونة الأخيرة معظم قيادة الأجهزة الأمنية، وكان ملاحظاً أن قادتها الجدد من جهاز "حرس الرئاسة"، ومعروفين بولائهم الكبير لعباس، وكأنها خطوة مرتبطة بتجيير الأمور وإبقاء الأمن في قبضة "رئيس السلطة" بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وهذا يدل أيضاً أن الأمن سيلعب دوراً أكبر في رسم المشهد السياسي الفلسطيني "المتجدد"، وبما يعيد إنتاج القيادة نفسها، ولو بأسماء ومهام إضافية، في محاولة أيضاً من قيادة السلطة للالتفاف على مطالب فلسطينية واسعة بإصلاح منظمة "التحرير" أو إعادة بنائها.