تدرس الإدارة الأميركية سحب ما يصل إلى 10 آلاف جندي من أوروبا الشرقية، في تحول استراتيجي يعكس تقليص التزام واشنطن التاريخي بأمن القارة. وأثار القرار المحتمل، الذي كشفته شبكة "NBC News" اليوم الثلاثاء، قلقاً واسعاً في أوروبا، ودفع المفوضية الأوروبية إلى تسريع إطلاق مبادرة دفاعية غير مسبوقة بعنوان "الاستعداد 2030".
البنتاغون يراجع وجوده شرق أوروبا
ويشمل الانسحاب قيد الدراسة، وحدات منتشرة في رومانيا وبولندا، أُرسلت عام 2022 ضمن تعزيزات أميركية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. ونقل التقرير عن مصادر أميركية أن القرار يأتي ضمن مراجعة أوسع للانتشار العسكري الأميركي، في ظل توجه إدارة ترامب لإعادة تركيز القوات نحو آسيا ومواجهة الصين، وخفض الالتزامات في أوروبا.
وكان وزير الدفاع الاميركي بيت هيغسث، قد أعلن في خطاب ببروكسل، في شباط/فبراير الماضي، أن "الولايات المتحدة لم تعُد قادرة على ضمان أمن أوروبا كما في السابق". أما المرشح لمنصب وكيل وزارة الدفاع للسياسات إلبريدج كولبي، فشدّد على ضرورة تقليص القوات في أوروبا وتخفيف الدعم العسكري لأوكرانيا.
أوروبا تخشى فراغاً استراتيجياً
أثار التوجّه الأميركي مخاوف أوروبية من فراغ أمني على حدود حلف شمال الأطلسي (ناتو). وقال مسؤولون أوروبيون لـ"NBC News"، إن الانسحاب سيُنظر إليه في موسكو كـ"ضعف في الردع"، ما قد يشجع روسيا على توسيع نفوذها في دول البلطيق وأوكرانيا. كما عبرت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين، في مداولات مغلقة، عن خشيتها من أن "الاعتماد على القوة الأميركية بات مخاطرة استراتيجية".
وتعزز التحذيرات الأوروبية، تقارير استخباراتية، أبرزها تقييم دنماركي صدر في شباط/فبراير الماضي، حذر من أن روسيا ستتمكن، في حال وقف الحرب على أوكرانيا، من إعادة بناء قوتها التقليدية وشن حرب شاملة على شرق أوروبا في غضون خمس سنوات.
الاستعداد 2030: مبادرة للانفصال الدفاعي
رداً على هذه التطورات، أعلنت المفوضية الأوروبية، في 3 آذار/مارس، خطة دفاعية بعنوان "الاستعداد 2030"، تسعى إلى تقليص الاعتماد على الولايات المتحدة. وتوفر المبادرة 800 مليار يورو لزيادة ميزانيات الدفاع، وتطوير أنظمة أوروبية في الدفاع الجوي، الذكاء الاصطناعي، المسيرات، والذخائر، إضافة إلى توسيع القاعدة الصناعية الدفاعية.
وجاءت الخطة مصحوبة بـ"ورقة بيضاء" لتحديد أولويات عاجلة، وتفعيل برنامج "SAFE"، لتوفير قروض دفاعية بـ150 مليار يورو، هدفها: تعزيز الجاهزية الأوروبية بعيداً عن المظلة الأميركية.
انقسام أوروبي حول التمويل والتنفيذ
لم تلقَ المبادرة إجماعاً داخل الاتحاد. إذ عبرت إيطاليا عن رفضها تمويل التسلح عبر الدين، بينما وافق البرلمان الألماني على رفع ميزانية الدفاع إلى تريليون يورو خلال 10 سنوات. غير أن تقارير الوكالة الأوروبية للدفاع "EDA"، أكدت أن المشتريات المشتركة لا تتجاوز 6%، رغم الالتزام برفعها إلى 20%، نتيجة تضارب الأولويات الوطنية والصراعات بين الشركات الدفاعية.
رسائل سياسية لواشنطن وموسكو
وقال البروفيسور أندريا لوكاتيللي لموقع "Impakter" أمس، إن المبادرة الأوروبية تُقرأ كبُعد سياسي بقدر ما هي عسكرية. إذ تسعى أوروبا من خلالها إلى طمأنة واشنطن بأنها ليست عبئاً أمنياً، وفي الوقت ذاته، ترسل رسالة ردع إلى موسكو بأن أوروبا لن تُترك مكشوفة، حتى في ظل انسحاب أميركي.
لكن نجاح المبادرة يتطلب استثماراً طويل الأمد لا يقل عن عقد، في وقت تسعى فيه روسيا إلى اقتناص لحظة الارتباك الغربي. وقال لوكاتيللي: "هذه ليست خطة للتفوق العسكري، بل للبقاء السياسي".