حلم الزعامة السنّية ليس بالأمر اليسير. تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري استثنائية بطبيعتها، وتشكل درساً لكل من يسعى للزعامة السنّية. النائب أشرف ريفي هو من بين هؤلاء الحالمين. الرجل الأمني الذي استفاد من المعترك السياسي في محطات عدة، تحوّل إلى ما يشبه ظاهرة سياسية عوّمت نفسها على أمجاد 14 آذار، وحققت الانتصار الساحق في انتخابات البلديات في طرابلس عام 2016، ليعقب ذلك فترة من الجمود السياسي. وكأنه اليوم يعيد إنتاج نفسه سياسياً. انسحب من "تجدد"، وتعرض لضربة من "القوات اللبنانية"، رغم أنه لا يعترف بها. تلاشى حلمه برئاسة الحكومة، وأخفق في معقله، فعاد ليجمع شمل الشمال، استعداداً للاستحقاق الأول، وهو الانتخابات البلدية، تمهيداً للمرحلة المقبلة المتمثلة في الانتخابات النيابية.البيت السنّيإعادة ترتيب البيت السني كما سمّاها ريفي تبدأ من الانتخابات البلدية في طرابلس. لا يبدو الرجل متحمساً، على الرغم من صولاته وجولاته في المنطقة. يبرر ذلك بالقول: "مش حرزانة" أن نعيد المدينة إلى "جو 2016"، وما حملته المعركة آنذاك من شراسة، رغم أنها كانت لصالحه. ولكن الحسابات اليوم على الأرض تبدلت، كما تغيرت الموازين السياسية. يتحدث ريفي لـ"المدن" عن ضرورة خوض الانتخابات البلدية بروح رياضية، واختيار رئيس بلدية إنمائي قادر على تشكيل فريق عمل متجانس. يذكر ريفي بتجربة العمل البلدي السابقة في المدينة، والتي فشلت بسبب التجاذبات التي أدت إلى سلسلة من الإخفاقات. ويؤكد: "لنكن واقعيين، بدون تجانس وفريق يمثل الجميع، لا يمكن للبلدية أن تنجح. لذا، نحتاج إلى رئيس يستطيع التعاون مع مختلف الأطراف في المنطقة". وعندما سئل عن تحالفاته الحالية، أشار إلى أن التجربة السابقة في 2016 كانت ناجحة، وأوضح أنه "تم التواصل مع القوى السياسية عبر وسطاء، وأتت الردود إيجابية تدعو إلى التوافق على مواصفات لرئيس بلدية جامع يقود المدينة إلى الأفضل". وفقاً لريفى، فهو من بادر إلى طرح هذه الفكرة، وهو في انتظار الأيام القادمة لمعرفة نتائج هذه الوساطات واللقاءات.ريفي في وجه "المستقبل"يبدو أن ريفي "يلعبها بحذر": توافق وعناوين قد تثمر إيجاباً على مستوى الحاضنة الشعبية على المدى الطويل. قد لا تحدث الانتخابات البلدية، لكن نشاط ريفي المستجد يحمل في طياته أبعاداً لتشكيل تحالف مستقبلي يواجه تحالف "ميقاتي - المستقبل" في الانتخابات النيابية المقبلة. وفيما تعتبر الانتخابات البلدية بمثابة جس نبض انتخابي للمعركة القادمة في 2026، يشير ريفي إلى أنه "على المستوى الشخصي، تربطه علاقات مع كافة الأفرقاء للوقوف في مواجهة الشخصيات المحسوبة على المحور السوري الإيراني".
يؤكد ريفي: "نحن في بداية تحالف سيكون بمواجهة الرئيس نجيب ميقاتي وتيار المستقبل". حتى الآن، يتكون هذا التحالف من شخصيات سياسية تشبهه في مواقفها، مثل رامي فنج. فكيف سيواجه ريفي هذا التحالف السنّي، خصوصاً مع عودة "التيار الأزرق" إلى الساحة السياسية بقوة في الشمال، وتحالفه مع ميقاتي الذي يمثل حالة شعبية واسعة في المنطقة والذي قاطع ريفي اجتماعه مناقضاً تصريحاته عن وحدة الصف السنّي، ومعللاً ذلك لأسباب سياسية بينما استغرب حينها حضور القوات، فأي حضور سيكون لريفي أمام هذا الزخم؟ يجيب ريفي واثقاً: "الزخم السني معي وليس معهم". إلا أن المعطيات الحالية قد تكون تغيرت، يعترف ريفي بهذا ويقول "المعطيات تبدلت على الأرض، ولكن الحديث اليوم على مسافة سنة، فلا نعلم ما قد يتبدل وأي تحالفات قد نبني عليها، ويمكن أن نتحالف مع فيصل كرامي أو غيره".
ويتابع ريفي: "أنا أملك العصب السني على الأرض في الشمال، وهم (تيار المستقبل وميقاتي والأفرقاء الكبار) يملكون العصب العاطفي". ويشرح هذه المعادلة بالقول إنه يملك "الحضور السني الشعبوي والميداني"، بينما يميل الآخرون إلى ميقاتي من منطلق العاطفة. "فلماذا نستبق الأمور اليوم؟"على مستوى آخر، وعما إذا كان رئيس الحكومة نواف سلام يمثل تطلعاته على المستوى السني، يجيب ريفي "للأمانة فإن حضور الرئيس نواف سلام مستجد على الساحة السياسية الفعلية، ولا يجب ولا يمكن أن نحكم عليه إلا بعد 6 أشهر من استلامه منصب رئاسة الحكومة"، مستدركاً القول: "طبعا لدينا الكثير من الملاحظات على أدائه، خصوصاً في موضوع التمثيل السنّي الشمالي لطرابلس وعكار في الحكومة، ولكنها حكماً ليست سوى البداية وعلينا التريث. سننتقد في المكان المناسب ونصفق له حتماً إذا لزم الأمر".العلاقة مع القواتيسعى ريفي لإثبات نفسه مجدداً. لا يخفي أنه "خرج من الحالة السياسية لرفيق الحريري وليس تيار المستقبل". يعترف بأنه "جديد على السياسة" ويمكنه التعلم من أخطائه. وعلاقته مع "القوات اللبنانية" خير دليل على ذلك. بعد أن سعى للترشح لرئاسة الحكومة، خذله المقربون بترشيح النائب فؤاد مخزومي. لا يدخل اليوم في التفاصيل، لكنه يقول عن علاقته مع "القوات اللبنانية": "لا يوجد خلاف ولا زعل، بل عتب في مرحلة سابقة. أنا متفق معهم في القضايا الوطنية، ولكن على المستوى السياسي، فطبعاً لكل منا وجهة نظر معينة".مواجهة إسرائيلعلى المستوى الأمني، وعما إذا كانت الدبلوماسية ستنجح في مواجهة إسرائيل وإجبارها على الانسحاب من جنوب لبنان ووقف عدوانها على المناطق اللبنانية، يعتبر ريفي أن "العدو الإسرائيلي لا يحترم قوانين ولا مواثيق دولية، ويحظى بغطاء أمني وسياسي من أكبر دولة في العالم، أي الولايات المتحدة الأميركية". ويضيف: "للأسف نحن أمام معادلة تفيد بأن الأقوى هو صاحب الحق". ويتابع: "الدولة اللبنانية تقوم بكل ما في وسعها للضغط وضمان انسحاب إسرائيل وعدم الاعتداء على لبنان، من خلال الدبلوماسية وعلاقاتها مع الدول الكبرى التي يمكن أن تضغط على إسرائيل. وعليه، لا توجد إمكانية ثانية للمواجهة سوى بهذه الطريقة، ولا أحد يدخل حرباً إلا إذا كانت لديه إمكانيات عسكرية ولوجستية تتيح له خوضها. ونحن للأسف لا نملك ذلك، بينما التفوق العسكري والتكنولوجي لدى عدونا أقوى بكثير. نطمح أن يكون هناك ضغط على إسرائيل، ولكن على الرغم من كل الدعم الإيراني لحزب الله، رأينا النتائج. لذا لا نملك وسيلة سوى الدبلوماسية للمواجهة".أخطأ ريفي أم أصاب، الانتخابات النيابية هي الإثبات وهي التي ستكون الإختبار الحقيقي للأحجام السياسية في الشمال، ومن يملك مفاتيح الزعامة السنّية في المنطقة.