غزة ليست وحدها. تحت هذا الشعار، خرجت اليوم عشرات المدارس والجامعات عن صمتها، وأقفلت أبوابها تضامناً مع الشعب الفلسطيني واحتجاجاً على المجازر المستمرة في قطاع غزة. مشهد تربوي نادر، تُعبّر فيه المؤسسات التعليمية، أساتذةً وتلامذةً، عن موقف سياسي-أخلاقي من مجازر إبادة تُبثّ على الهواء مباشرة، فيما فضّلت مؤسسات أخرى الالتزام بقرار وزارة التربية أو اللجوء إلى تحركات رمزية.
وقفة تضامنية لا إضرابفي بيروت وضاحيتها الجنوبية، غالبية المدارس، إن لم نقل كلّها، امتنعت عن المشاركة في الإضراب التضامني، حتى تلك المحسوبة على "محور المقاومة"، مثل مدارس المهدي والمصطفى. واقتصر التفاعل مع الحدث على وقفات رمزية داخل الملاعب، حيث أُلقيت كلمات ووُزّعت منشورات تُعرّف الطلاب حول ما يجري في فلسطين المحتلة، وذلك استجابة لدعوة وزيرة التربية ريما كرامي لتخصيص ساعة تعليمية عن القضية. وبحسب أولاياء أمور في تلك المدارس فإنّ قرار عدم الانخراط في الإضراب الكامل يعود لأسباب تتعلّق بالعام الدراسي. فالإدارات رأت أن لا مجال للمزيد من التوقف عن التعليم في ظل التأخر الكبير في إنجاز المناهج، وغياب الطلاب بسبب الحرب منذ مطلع العام الدراسي. في المقابل، شهدت الجامعة الأميركية في بيروت تحركاً طلابياً لافتاً، حيث نظّم النادي العلماني بالتعاون مع أندية أخرى اعتصاماً أمام الحرم الجامعي في الحمرا، تحت عنوانين: "وقف الإبادة في غزة" و"وقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وسوريا"، بمشاركة أكثر من خمسين طالباً. وتقول تاليا كتورة، رئيسة النادي، لـ"المدن": "بعد الحرب على لبنان والإبادة الجارية، تعلمنا أن التضامن ليس خياراً، بل هو واجب. حاولنا أن نخلق تحرّكاً سلمياً، غير مستفز، لكن واضحاً بموقفه، بهدف تسليط الضوء على جرائم الاحتلال الإسرائيلي".
وتضيف: "هذا النوع من الحراك يخلق وعياً سياسياً عند الطلاب، ويجمعنا رغم اختلاف خلفياتنا. وفعلاً، قدرنا نوحّد شريحة كبيرة، وهذا شجّع كثر على المشاركة".
أما في الجامعة اللبنانية، فكان المشهد باهتاً سواء من الأساتذة أو الطلاب. واقتصر الأمر على صدور بيان من هنا أو هناك يتضمن "الاستنكار تجاه هذه الجرائم المتواصلة بحق شعبٍ أعزل يُقاوم الاحتلال بصدره، ويدفع يومياً ثمن تمسكه بأرضه وحقه في الحياة... وتأكيد على أن ما يجري في فلسطين هو إبادة جماعية موصوفة".طرابلس بين الالتباس والرمزيةفي طرابلس، كان الحضور التربوي أكثر تماسكاً، وإن لم يخلُ من تناقض. فقد أقفلت معظم المدارس أبوابها، باستثناء تلك التابعة للجماعة الإسلامية، مثل مدارس الإيمان، التي واصلت دوامها المعتاد.ويُوضح مدير مدرسة الإيمان، زياد غمراوي، لـ"المدن": أن "مدارس الإيمان لطالما كانت متفاعلة مع القضية الفلسطينية على مرّ السنوات، لكن قرار عدم المشاركة في الإضراب اليوم يعود لسببين: أولاً، لم نتمكن من التحقق من الجهة التي تبنّت الدعوة إلا بعد منتصف الليل، وثانياً، كنا قد عطّلنا 17 يوماً بمناسبة رمضان والعيد، وبالتالي، لم نجد من المناسب إضافة يوم جديد للتعطيل، مع كامل تقديرنا لأهمية القضية".بعيداً عن هذا الالتباس، التزمت نحو خمسين مدرسة وجامعة في الشمال بالإضراب. ويقول المدير الإداري لجامعة الجنان، ربيع حروق، لـ"المدن": "رمزية هذا الإضراب رسالة معنوية لأهل غزة، لنقول لهم إنهم ليسوا وحدهم، وخصوصاً أنّ جامعتنا خرّجت العديد من الغزيين الذين لا يزالون على تواصل معنا حتى اليوم".في المقابل، نظّم طلاب جامعة بيروت العربية – فرع طرابلس وقفة أمام حرم الجامعة، بمبادرة طلابية لا إدارية. ويشرح مدير الفرع، هاني شعراني، لـ"المدن": قائلاً إن "الجامعة استجابت للحراك الطلابي، واحترمنا وجهة نظرهم. ورأينا أنّ هذا النوع من التعبير أفضل من البقاء في البيوت. فالمقاومة أيضاً تكون بالعلم والعمل".
ويختم: "الطلاب نزلوا إلى الشارع بوعي ومسؤولية، بينما في مؤسسات أخرى فُهم الإضراب كأنه مجرّد يوم راحة إضافي. هنا كان الموقف أوضح، وأقرب إلى جوهر التضامن الحقيقي".صيدا بين الالتزام والصمت الشعبيفي صيدا، بدت الاستجابة لنداء الإضراب أوضح. أقفلت معظم المؤسسات التربوية، بما فيها جامعة الجنان – فرع الجنوب، والجامعة اللبنانية الدولية، والتزمت المدارس الخاصة بشكل شبه كامل بالإضراب، باستثناء مدرسة واحدة لراهبات المخلصيات في عبرا، التي استمرّت في الدوام كالمعتاد.أما المدارس الرسمية، ففتحت أبوابها تنفيذاً لقرار وزيرة التربية، لكن وسط تغيّب عدد كبير من الطلاب. وأفاد عدد من أولياء الأمور لـ"المدن" بأنّ نسبة كبيرة من الطلاب تغيّبت، بعضهم بناءً على قرار عائلي تضامناً مع غزة، والبعض الآخر نتيجة تنسيق بين الطلاب أنفسهم، في ما يشبه "إضراباً شعبياً صامتاً". لكن صيدا لم تكتف بالإضراب، إذ شهدت المدينة عند الخامسة من عصر اليوم مسيرة غضب انطلقت من تقاطع إيليا باتجاه ساحة النجمة.