في تحرك غير مسبوق، أعلن عدد من الشخصيات اليهودية الأميركية من أصول سورية، تأييدهم لحكومة الرئيس أحمد الشرع، مطالبين الإدارة الأميركية بضرورة رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وشطب اسم الحكومة الجديدة من قوائم الإرهاب، تمهيداً للاعتراف الدولي بها.
ويأتي هذا التحول وسط تحديات دبلوماسية معقدة تواجهها الحكومة السورية الجديدة في مسعاها لنيل الشرعية الدولية، حيث لا تزال القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تتردد في التطبيع معها رغم تعهداتها بالانفتاح وحماية الأقليات.
الحنين إلى الوطن
يقود المبادرة هنري حمرا، وهو رجل أعمال ينتمي إلى الجالية اليهودية السورية في نيويورك، وكان قد غادر دمشق في سن المراهقة قبل أكثر من ثلاثة عقود. تحدث حمرا خلال لقاء مع أعضاء في الكونغرس، عن "الحلم المؤجل بالعودة إلى الوطن" قائلاً: "سوريا ليست فقط بلد طفولتي، بل هي جزء من هويتي التي لم أفقدها رغم كل المسافات والسنوات".
وأضاف "ما رأيته خلال زيارتي الأخيرة كان مزيجاً من الأمل والوجع – الدمار كبير، لكن الرغبة في النهوض حاضرة. ما يعوق إعادة البناء هو العقوبات، التي لم تعد موجهة لنظام، بل لشعب بأكمله".
زيارة رمزية إلى سوريا
وتمت الزيارة التي نظمها حمرا برفقة والده، الحاخام يوسف حمرا، في شباط/ فبراير الماضي، بدعم من "فريق الطوارئ السوري" ومشاركة شخصيات سورية أميركية مسلمة. وقد شملت الجولة مواقع تاريخية يهودية في دمشق، بينها الكنيس المدمر في حي جوبر، ومقبرة يهودية قديمة تحتضن أضرحة متصوفين بارزين من القرن السادس عشر.
ورغم حساسية الموقف، وفرت وزارة الخارجية السورية بتوجيه من الشرع، تسهيلات غير مسبوقة إلى الوفد، من تأشيرات وتنقلات وحراسة أمنية، إلى جانب استقباله رسمياً من موظفين كبار، في ما اعتُبر "بادرة حسن نية" تجاه المكوّن اليهودي السوري، بعد عقود من القطيعة.
رسالة سياسية متعددة الأبعاد
وقال مدير فريق الطوارئ السوري معاذ مصطفى، لصحيفة " نيويورك تايمز"، إن الهدف من الزيارة لم يكن فقط إنسانياً أو تراثياً، بل "رسالة سياسية إلى دوائر القرار في واشنطن بأن الحكومة الجديدة في دمشق ليست استبدادية ولا طائفية، بل تسعى إلى شراكة وطنية تتجاوز الماضي".
أما الحاخام يوسف حمرا، الذي كان يشغل منصب رئيس الطائفة اليهودية في دمشق قبل مغادرته، فقال: "أردنا أن نغلق دائرة من التاريخ بكرامة، وأن نعيد ولو بعضاً من ذاكرة سورية التي احتضنت اليهود لألفي عام"، بحسب الصحيفة.
بين القبول الغربي والتوجس الإسرائيلي
ورغم الأثر الرمزي الكبير لهذه المبادرة، لا تزال العقبات السياسية قائمة. إذ صرح المتحدث باسم لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية مارشال ويتمان، بأن "أي تغيير في السياسة يجب أن يبنى على سلوك فعلي ومستدام من جانب الحكومة السورية"، مشيراً إلى أن العلاقات السابقة للرئيس الشرع مع تنظيمات جهادية تثير القلق في الأوساط الإسرائيلية.
من جهتها، التزمت الإدارة الأميركية الصمت الرسمي، لكن مسؤولاً في وزارة الخارجية أكد حدوث لقاءات مع الوفد، في حين رفض البيت الأبيض التعليق، وفقاً لـ" نيويورك تايمز".
ضغوط من داخل الكونغرس
في المقابل، بدأ بعض أعضاء الكونغرس من الحزبين بدفع إدارة الرئيس ترامب نحو مراجعة موقفها، من بينهم النائب الجمهوري جو ويلسون، والسيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن، اللذان وجّها رسالة مشتركة إلى وزارتي الخارجية والخزانة، دعوا فيها إلى إعادة تقييم نظام العقوبات الذي وصفاه بأنه "يضر بالمصالح الاستراتيجية الأميركية في مرحلة ما بعد الأسد".
وقال النائب ويلسون بعد لقائه بالوفد اليهودي: "رغم ماضي الشرع، لا يمكن تجاهل التحولات التي تحدث في سوريا. يجب أن نعطي الشعب السوري فرصة للعيش بعيداً عن الحصار والجوع".
شرعية قيد الاختبار
وتبقى حكومة الشرع في مواجهة اختبار مزدوج، حول إثبات التزامها بمبادئ التعددية والديمقراطية داخلياً، وكسب ثقة المجتمع الدولي خارجياً. وقد اعتبرت وزارة الخارجية السورية، الزيارة "نقطة تحول رمزية في طريق المصالحة الوطنية"، مشددة على "استعداد الدولة لتأمين الحماية الكاملة لكل من يحمل الجنسية السورية، بصرف النظر عن دينه أو انتمائه".
ومع هذا التحرك المفاجئ من شخصيات يهودية، تأمل دمشق الجديدة في إحداث اختراق دبلوماسي قد يمهّد لإعادة تطبيع العلاقات مع الغرب، وفتح الباب أمام رفع تدريجي للعقوبات التي تشل الاقتصاد وتمنع إعادة الإعمار.