تسعى وزيرة التربية والتعليم العالي الدكتورة ريما كرامي إلى حلحلة مأزق تصحيح الأجور والمساعدات الاجتماعية للمعلمين والمعلمات في التعليم الرسمي، مما يعني أن عليها تطبيق القانون رقم 2 الرامي إلى تعديل بعض أحكام القوانين المتعلقة بتنظيم الهيئة التعليمية الذي صدر في 3/4/2025. ومن المتوقع طعن المدارس به، وامتناع العديد من المدارس الخاصة صاحبة النفوذ والسطوة عن تنفيذه. أما المشكلة الثالثة والكبرى التي تواجه كرامي فهي صدور قانون الأماكن غير السكنية الذي صدر بالتاريخ نفسه، والذي من شأنه رفع قيمة إيجارات المدارس والثانويات والمباني الإدارية والمعاهد الفنية المستأجرة من وزارة التربية. وبحسب القانون ستزيد نسبة الإيجارات 8 بالمئة، على مراحل تبدأ بنسة 25 بالمئة في السنة الأولى و50 بالمئة في السنة الثانية، وصولاً إلى 100 بالمئة في السنتين الثالثة والرابعة.
نسب المدارس المستأجرةارتفاع الإيجارات يستوجب من الحكومة تأمين أموال إضافية لموازنة وزارة التربية، التي تبلغ نحو 430 مليون دولار. وتشكل إيجارات المباني المدرسية والمكاتب مع صيانتها حسب الموازنة نحو 2.5 مليون دولار. ولكن سيزيد هذا المبلغ 10 أضعاف للسنة الأولى وصولاً إلى 40 ضعفاً في السنة الثالثة ليصل المبلغ إلى 100 مليون دولار سنوياً إذا لم تأخذ الوزارة خطوات حاسمة للحد من هذا الإنفاق غير المجدي.من أصل 1228 مدرسة وثانوية رسمية، تملك وزارة التربية نسبة 45 بالمئة منها فقط. ولتبيان المشكلة الفعلية التي ستواجهها الوزارة، نستعيد نتائج المسح الشامل لمشروع دراستي في العام 2011 والذي يظهر وجود 548 مدرسة مملوكة من الوزارة مقابل 728 مستأجرة من أصل 1281 مدرسة وثانوية رسمية. وبحسب المحافظات، فإن أدنى نسبة مدارس مملوكة من الوزارة هي في طرابلس، حيث هناك فقط 10 مدراس ملك الوزارة مقابل 87 مدرسة مستأجرة. أما قضاء مرجعيون فيمثل النسبة الأعلى، حيث هناك 21 مدرسة مملوكة مقابل 2 مستأجرة.تنفيعات ومحسوبياتتمثل مدارس مدينة بيروت إحدى أكبر علامات فشل الحكومات ووزارء التربية السابقين في الحد من الإنفاق غير المجدي على إيجار المباني المدرسية، والسبب هو المواظبة على المحاصصات والتنفيعات الحزبية والشخصية. توجد 28 مدرسة مملوكة مقابل 26 أخرى مستأجرة، من أصل 54 مدرسة ينتسب إليها اليوم أقل من 13 ألف تلميذ. علماً أنه خلال العقد الماضي تم بناء 12 مدرسة نموذجية كبيرة كاملة التجهيز في بيروت ممولة من القرض الكويتي. وتستوعب هذه المدارس وحدها 12 ألف تلميذ بحسب الاتفاقيات المبرمة مع البنك الكويتي للتنمية.عوضاً عن توزيع تلامذة بيروت على هذه المدارس الرسمية الـ28 المملوكة من الدولة، وإغلاق 26 مدرسة مستأجرة، ووقف الهدر، مضت وزارات التربية بسياسة التنفيعات ونظام المحاصصة الحزبية. فإغلاق مدارس مستأجرة يستوجب نقل مدراء ونظار وإداريين ومعلمين وتكليفهم بمهام أخرى والحاقهم في أماكن أخرى. لكن المدراء والنظار (بين 60-80 مدير وناظر وإداري) معيّنون وفق الحصص الحزبية، ولغايات تنفيعية وليس أكاديمية أو تربوية. وأبلغ مثال على هذه التنفيعات وصل حد تقسيم مبنى مدرسي إلى مبنيين لتعيين مديرين. فبسبب الخلافات على تعيين مدير مدرسة في إحدى قرى عكار بين طرفين سياسيين، أقدمت وزارة التربية على تلبية رغبات الطرفين. وجرى تقسيم المبنى المدرسي إلى مدرستين واحدة للفتيان وأخرى للفتيات، وعينت مديرة للجهة السياسية الأولى ومدير للجهة الأخرى.نموذج تنفيعات الإيجارات فاقع في قضاء طرابلس. فالمدارس الـ10 المملوكة من الوزارة لا تستوعب 30 ألف تلميذ، ولكن هناك نحو 70 مدرسة مستأجرة، وهي في غالبيتها مبانٍ سكنية غير صالحة للتعليم، رغم وجود عشرات المباني الفارغة ملك الدولة، مثل المدرسة الفندقية في الميناء، ومعاهد مهنية، ومدرسة القبة- الشعراني، إضافة إلى مبانٍ في البلدات المحيطة في طرابلس، كان يمكن الاستفادة منها ونقل التلامذة إليها.الإنفاق والهدر على الإيجاراتالإستثمار في بناء مدارس جديدة أو شراء ما يصلح من مبان للتعليم هو أفضل الخيارات للحالات المشابهة لنموذج طرابلس. حسب التقديرات فإن المبلغ الذي ستدفعه الوزارة للإيجارات لاحقاً كفيل ببناء 50 مدرسة متوسطة وصغيرة، بكلفة 2 مليون دولار للمدرسة. أما في الجنوب، فقد شيّد مجلس الجنوب مدارس ومجمعات مدرسية في العديد من المناطق الجنوبية، وهي تستقبل حالياً ربع قدرتها الاستيعابية. ولم تفكر الوزارة أو البلديات في تفعيل خطة لنقل التلامذة من وإلى المدرسة عوضاً عن الإبقاء على المدارس الصغيرة داخل القرى، ما يزيد الهدر في هذا القطاع.إلى إشكالية الهدر في عدم دمج المباني المدرسية وتقليص عددها وفق الحاجات، لقانون الإيجارات انعكاسات سلبية على ترميم المدارس. فقد سبق وأعلنت وزارة التربية عن تلزيم ترميم وتوسعة نحو 95 مدرسة في مختلف المناطق، بتميول قيمة 70 مليون دولار من الجهات المانحة. وهذا الرقم يضاف إلى مشاريع منظمة اليونيسف لترميم وتوسعة 120 مدرسة، وبناء 4 مدارس جديدة بقيمة 33 مليون دولار. وبعد صدور قانون الإيجارات يفترض بالوزارة الجديدة إعادة النظر بصرف الأموال على الترميم، لعدم مضاعفة الهدر في هذا الملف. فالعديد من المدارس المنوي ترميمها هي مبان مستأجرة وليست مملوكة من الوزارة. علماً أن مشاريع الترميم التي دعت الوزارة إليها توقفت بسبب شح التمويل. ولم توضح "الوزارة" أين ذهبت مخصصات الترميم المحددة في مشروع S2R2.لم تجرؤ أي حكومة سابقاً على تقليص الإنفاق غير المجدي على المباني المدرسية المستأجرة تلبية للمحاصصة الحزبية والطائفية. لكن إفلاس الدولة الحالي بعد سنوات مديدة من الهدر، يستوجب إعادة النظر بالملف. والخطوة الإصلاحية الجدية تبدأ باستكمال العمل على الخريطة المدرسية لتبيان الحاجات الفعلية، والتخطيط لتشييد مدارس لناحية الحجم والموقع الجغرافي، بحسب الحاجة. ويفترض أن يسبق ذلك الاستفادة القصوى من المباني المدرسية المملوكة من الدولة.