تدور أحداث مسلسل "تحت الأرض – موسم حار" في إطار دراما تشويقية تتخللها صراعات على النفوذ والسلطة، حيث تتمحور القصة حول عائلة "الصافي" الدمشقية التي تفرض سيطرتها على تجارة التبغ في مدينة دمشق بقبضة من حديد في نهاية القرن التاسع عشر، خلال الحقبة العثمانية، حين تهتز توازنات العائلة مع ظهور تاجر منافس يشعل حرباً خفية تأخذ طابعاً عنيفاً يصل إلى حد ارتكاب الجرائم، في سياق درامي مشحون بالإثارة والتوتر.
ويعكس المسلسل تركيبة اجتماعية هرمية تهيمن عليها عائلة "الصافي"، التي تمثل طبقة التجار الكبار في دمشق العثمانية، وتتحكم بالسوق من موقع نفوذ اقتصادي واجتماعي، ويصور صراعات داخل هذه العائلة وخارجها، بشكل يعكس البنية الطبقية الحادة في تلك المرحلة، إذ يحتكر أصحاب المال السلطة، وتغيب تماماً أصوات الفئات المهمشة، خصوصاً الفلاحين والعمال الذين لا يظهرون إلا في خلفية المشهد إن وجدوا.ويقدم المسلسل صورة اجتماعية تنسجم إلى حد كبير مع الواقع المفترض لدمشق في مطلع القرن العشرين، بهيمنة الرجال على المشهد العام، خصوصاً في الأسواق والخانات، بينما تنحصر أدوار النساء في الإطار التقليدي داخل المنزل، من رعاية الأبناء والعناية بشؤون البيت والطهي، هذه الثنائية النمطية تعكس بوضوح بُنية العائلة الدمشقية التاريخية والتي يتناولها العمل.لكن المسلسل لا يكتفي بإعادة إنتاج الصورة النمطية للمرأة، بل يدرج نماذج نسائية مختلفة، أكثر انفتاحاً واستقلالية. فإلى جانب الزوجات والأمهات في البيوت، تظهر شخصيات نسائية غير محجبة من خلفيات مسيحية، يعملن في مكاتب إدارية تابعة للدولة العثمانية، مثل شخصية "جورجيت" التي تجسد هذا الحضور الوظيفي للنساء في الدوائر الحكومية آنذاك. كما يبرز نموذج "هند" شقيقة "جودت الصافي" (مكسيم خليل)، التي تجسد امرأة مثقفة ومستقلة، لها دور فعال خارج إطار الأسرة، وتعمل أيضاً في أحد المكاتب الرسمية، ما يضيف طبقة اجتماعية جديدة إلى المشهد، تتجاوز التقسيمات التقليدية.ويستحضر المسلسل أيضاً عنصر البداوة من خلال شخصية "فلك" التي تجسدها عبير شمس الدين، في عودة لافتة لها إلى الدراما الشامية بعد انقطاع طويل منذ مشاركاتها في أعمال مثل "مرايا". وقدمت شمس الدين شخصية ساحرة ومتماسكة، تنتمي لعالم مواز في أطراف المشهد الدمشقي، يضفي على العمل طابعاً أكثر تنوعاً من حيث البيئات والهوية الثقافية، ويفتح الباب لمزيد من التعدد في النماذج النسائية المعروضة على الشاشة.على المستوى السياسي، يلمّح المسلسل إلى هشاشة السلطة العثمانية في دمشق أواخر القرن التاسع عشر، حينما كانت الدولة مغيبة أو خاضعة لنفوذ التجار، ويظهر ذلك من خلال تهميش دور الشرطة، وغياب القانون كفاعل حقيقي في ضبط النزاعات، مقابل تغول عائلة الصافي وتحكمها بمفاصل المدينة الاقتصادية وحتى الأمنية. كما يتناول المسلسل تداخل المصالح بين النخب المحلية والقوى الأجنبية، من خلال علاقة العائلة ببريطانيين يسعون للسيطرة على تجارة التبغ، في استحضار درامي لمعادلات الامتيازات الأجنبية التي شكلت ملامح تلك المرحلة.بهذا الطرح، يبتعد المسلسل عن نمط الحكايات الاجتماعية البسيطة في أعمال البيئة الشامية، ليقدم معالجة أكثر قتامة وواقعية للصراع الطبقي والسياسي، عبر دراما مشدودة تدور داخل دوائر السلطة والمال، وتغيب عنها الحارة الشعبية كفضاء مركزي.وينتمي العمل من حيث الشكل إلى دراما البيئة الشامية، لكنه يبتعد عن القوالب التقليدية المرتبطة بهذا النوع، خصوصاً في ما يتعلق بالديكور والأزياء، فالمسلسل لم يصور في دمشق، بل جرى تصويره بين أبوظبي ولبنان، باستخدام استديوهات وديكورات افتراضية عوضاً عن البيوت الدمشقية الأصلية، ورغم ذلك، استطاع العمل تقديم بيئة بصرية مختلفة، بأسلوب فني يعتمد على الإضاءة الداكنة، وحركة كاميرا ديناميكية، ما منحه طابعاً بصرياً خاصاً يميزه عن غيره من الأعمال الشامية المعتادة.في مواقع التصوير الداخلية، ظهرت بعض الخانات القديمة ومخازن التبغ المصممة بصرياً لتحاكي ما يعرف تاريخياً بـ"خان التتن" في دمشق، بهدف خلق بيئة تجارية تاسب سياق القصة. إلا أن هذه الخانات بدت، في كثير من المشاهد، أقرب إلى ديكورات مصطنعة تفتقر إلى التفاصيل المعمارية الدقيقة، وهو ما يمكن ربطه بتصوير المشاهد بين أبوظبي ودمشق.
والبيوت الدمشقية التقليدية، بدورها، ظهرت بشكل محدود بصرياً اقتصر غالباً على لقطات قريبة جداً أو مشاهد ليلية بجانب النافورة، ما قلل من إمكانية تأمل التفاصيل المعمارية التي تشتهر بها منازل دمشق القديمة. أما منزل عائلة "الصافي" والمقار الحكومية التي ظهرت بكاملها في المشاهد، فتم تصويرها في لبنان، ما ساهم في تقليص القدرة البصرية للعمل على نقل البيئة الدمشقية بدقة.ورغم أن صناعة التبغ كانت مرتبطة تاريخياً بمدينة اللاذقية، التي اشتهرت بإنتاج "تبغ اللاذقية" الفاخر، لم يظهر المسلسل أي مشاهد تتعلق بعملية صناعة التبغ، أو الحياة اليومية في مناطق زراعته، خصوصاً في الساحل السوري. كذلك، غابت تماماً الإشارة إلى معاناة الفلاحين، الذين كانوا فعلياً الحلقة الأضعف في هذه التجارة، إذ كانوا يُجبرون على بيع محصولهم بأسعار زهيدة في ظل سيطرة الاحتكار، وهو ما يعد تفصيلاً مهماً تجاهله السرد الدرامي.وسلط المسلسل الضوء على واحدة من أبرز الديناميات العائلية، وهي عقدة الابن الأوسط، من خلال شخصية "خالد الصافي" التي أداها كرم شعراني ببراعة لافتة. فرغم طابع الشخصية الشرير وانخراطها في الصراعات العائلية على النفوذ، نجح شعراني في إضفاء بعد إنساني على الدور، كاشفاً عن هشاشة داخلية ونقاط ضعف دفعت الجمهور إلى التعاطف معه، بدلاً من رفضه بالكامل.وقدم المسلسل مقاربة جديدة في أعمال البيئة الشامية، متجاوزاً الأنماط التقليدية التي تدور غالباً حول الحارة والعلاقات الأسرية البسيطة، مع استحضار المناخ السياسي والاجتماعي في مطلع القرن العشرين ضمن سرد درامي مشوق، يجمع البُعد التاريخي والتوتر الدرامي.حظي المسلسل عموماً بردود أفعال إيجابية، خصوصاً ما يتعلق بالأداء التمثيلي لعدد من أبطاله، وفي مقدمتهم مكسيم خليل، فايز قزق، وسامر المصري. وقدم مكسيم خليل شخصية "جودت" بصورة مركبة، جسد من خلالها تاجراً طموحاً يتأرجح بين قسوة السوق وتعقيدات الصراع، مانحاً الشخصية بُعداً نفسياً مزدوجاً بين الشراسة والضياع. أما فايز قزق، فبرع في تجسيد هيبة "محمود بك" كبير العائلة، بإيقاع أداء واقعي ومتقن عكس موقع الشخصية داخل منظومة السلطة الأبوية والتجارية في العائلة.كما برز أداء كارمن لبس في دور الزوجة ذات النزعة السلطوية والشريرة، فنجحت في رسم شخصية معقدة ومثيرة للجدل مع لهجة شامية، رغم عدم تمكنها منها بشكل كبير، إلا أنها كانت لطيفة وقريبة من القلب. وفي تصريحات إعلامية، أعربت لبس عن تخوفها في البداية من تجسيد هذا الدور بسبب حدة الشخصية، لكنها رأت فيها لاحقاً فرصة لتقديم أداء تمثيلي غني ومختلف عن أدوارها السابقة.وشهدت تجارة التبغ في سوريا العثمانية، لا سيما في دمشق ومناطق الساحل، ازدهاراً كبيراً خلال القرن التاسع عشر، وتحولت تدريجياً إلى واحدة من أهم موارد الدولة الاقتصادية. وفي العام 1884، منحت الدولة العثمانية امتيازاً احتكارياً لإدارة هذه التجارة لشركة أجنبية تدعى "الريجي"، وهي كيان مشترك بين الدولة ومستثمرين أوروبيين، معظمهم فرنسي، وأصبح على الفلاحين بيع محاصيلهم حصرياً لهذه الشركة وبأسعار منخفضة، بينما تولت الشركة إعادة البيع والمعالجة، محققة أرباحاً طائلة على حساب المزارعين، وهو ما ناقشه العمل، إلا أنه ركز على البيع للانجليز بدلاً من الفرنسيين.وأدى الاحتكار إلى ظهور شبكة محدودة من التجار المحليين الكبار المرتبطين بالشركة، والذين استأثروا بتجارة التبغ، في حين هُمّش المزارعون وباعة التجزئة. كانت مدينة دمشق مركزاً مهماً للتوزيع، لكنها اعتمدت على محصول التبغ الآتي من مناطق مثل اللاذقية والبقاع. بعض أنواع التبغ، مثل تبغ اللاذقية، كان يصدّر إلى أوروبا ويُعرف بجودته بسبب طريقة تجفيفه الفريدة باستخدام أخشاب البلوط.وأسهم الاحتكار اجتماعياً في خلق طبقة من التجار النافذين المرتبطين بالسلطة العثمانية أو بالقناصل الأجانب، بينما ظل المنتجون أسفل السلّم الاقتصادي. وظهر تفاوت صارخ بين عائلات تجارية راكمت الثروة والجاه، وأرياف فقيرة كانت تضطر أحياناً إلى تهريب محاصيلها أو إحراقها احتجاجاً على الأسعار المجحفة. ولم تخلُ هذه المرحلة من محاولات مقاومة محلية أو تشكيل تحالفات نقابية لتفادي المضاربة، كما في تجربة "سنديكا التبغ" في اللاذقية العام 1902.المسلسل من إنتاج شركة "كلاكيت ميديا"، وهو عمل سوري لبناني مشترك، كتبه شادي دويعر وسلطان العودة، وأخرجه مضر إبراهيم في أول تجربة إخراج درامي متكاملة له، ويضم العمل عدداً من الممثلين السوريين واللبنانيين.