2025- 04 - 02   |   بحث في الموقع  
logo إشكال وإطلاق نار في فنيدق عكار logo أردوغان ينقض على المعارضة: ضربة معلم؟ (2) logo صندوق النقد "يكشف": الحرب تؤثّر على تحليلنا للوضع اللبناني logo مجلس الإفتاء الأعلى السوري.. تحجيم "التيار السلفي" لإطفاء الحرائق logo الخارجية الأميركية: رايبورن يتولى ملف سوريا والعقوبات قيد المراجعة logo منذ فجر اليوم..سلسلة عمليات نفذها الدفاع المدني logo تحذير “عاجل” للسائقين logo انقطاع شامل للكهرباء بسوريا.. أعطال وسرقات تطال البنية التحتية
غزة و"اختفاء الكائن البشري"
2025-03-31 14:28:02

"اختفاء الكائن البشري" هو كتاب وضعه الأميركي Barry Sanders يؤرخ فيه لصيرورة اختفاء الكائن البشري منذ القرن الثامن عشر، وتُداخِل الكتاب الكثير من الاستطرادات بيد أن النقطة المركزية في الكتاب تقوم على فكرة مفادها أن احتكار جهة واحدة لجملة تعريفات لها علاقة بحياة البشر هو بمثابة التمهيد الأولي لهذا الاختفاء. (صدر الكتاب بترجمته العربية عن دار الرافدين- بيروت بترجمة سهيل نجم). منذ أيام خلت صرّح أحد مساعدي الرئيس الأميركي بالقول أن ترحيل أهالي غزة عن القطاع هو حل عملي ولا بأس بالتالي من استنبات كل الآليات التي تجيز هذا الترحيل. فضلاً عن كل أنماط "الذكاء" التي تُستخدم لإبادة غزة فإن المسؤول الأميركي وكصدى لرغبات رئيسه احتكر تعريف ما هو الصحيح بالمطلق فيما يتعلّق بغزة. من النافل أن العالم لطالما شهد مجازر كتلك التي تحصل بغزة وشهد أيضاً موجات ترحيل من كل حدب وصوب بيد أن ما يميّز الحالة الغزاوية في هذا السياق هو تحوّلها إلى محض واقعة تلفزيونية أو ميديائية بصرف النظر عن خِرَق الاستنكارات التي تبديها الجهات الدولية وهلاهيلها أمام الاحتكار الأميركي لِما هو صحيح أو خاطئ ليس بالنسبة لغزة فقط إنما أيضاً بالنسبة لكل قضايا العالم. تنقل مدوّنات التاريخ ورقعه أن ثمة من قال: المال هو دم الآخرين. ربما تليق هذه العبارة أكثر ما تليق بأهل غزة اليوم ذلك أن "الحل الصحيح" الذي ابتدره الأميركي لغزة هو تحويلها إلى محض وجهة سياحية وهو "صحيح" احتكر تعريفه الأميركي وليس على كل العالم سوى مماشاته في هذا التعريف. يسوق الظن المرء بأريحية أنه حتى أهل غزة بمنأى عن التوقعات حيال ماذا يمكن أن يدرّ دمهم من مال لأصحاب مشروع ترحيلهم بعد تسوية كل القطاع بالأرض. كم كان الأميركي الآخر هنري ميلر محقاً عندما قال في "عملاق ماروسي" أن الحضارة مجرد زيف، شبح ثرثار لا يتجاوز كونه سراب فوق بحر هائج من الجثث والأشلاء. إن مشهد غزة بالإجمال وعطفاً على التعريف الأميركي للصحيح والخاطىء يثير بالمرء روح الفضول حيال تراكم نصوص حقوق الإنسان والكرامة البشرية وإلى آخره من ترهات لنكون إزاء الاستنتاج التالي: كل تاريخ رفعة الإنسان عبر جمّ النصوص وفبركاتها ليس إلا تمهيد منظّم لكل ضروب الجريمة في العالم. تعقيدات مشهد غزة وتلك النشوة الإسرائيلية بالدم المراق عبر ملامح بعض قادة إسرائيل تشي أن "الخروج" الأوفى من ربقة التعريفات العالمية (اليونفرسالية) للصح والخطأ لا يمكن أن يتم إلا عبر تحضير دائم للجريمة... وربما ترامب في هذه اللحظة هو نبي "الخروج" الجديد وفي البال على الدوم خبرية ترحيل أهل غزة. قال مرة واحد من أكثر الفلاسفة حباً للمزاح وأقصد به إيمانويل كانط، إن التنوير هو حرية المرء في استخدام عقله استخداما يونفرسالياً وفي جميع الأمور!! إن غزة التي تتراوح بين حماسة ترى في "الاستشهاد" أقصى درجات التديّن من جهة وفعل "خروج" لا يتعزز إلا بالأشلاء من جهة أخرى تقتضي إعادة تصحيح عبارة المازح الأكبر في مجمل التاريخ الفلسفي. يبدو أن التنوير، وعطفاً على احتكار التعريفات التي تتعلق بشؤون البشر، هو حرية المرء في كيفية استعمال صواريخه وكل منجزات ذكائه بما يجيز بالتالي ترحيل كل أهل غزة فضلاً عن سفك دمائهم الذي قد تحوّل إلى مجرد دم ميديائي وكفى.فضلاً عن تلك الصواريخ وذلك الذكاء المستجد في عالم الإنسان الأخير تستدعي غزة أكثر ما تستدعي – في ذهني أنا على الأقل – فكرة أنها ترميم هائل لكل غرائز الإجرام التي قد ابتدعها الربّ منذ أن تنزّل بيننا نحن الذين لا ربّ لنا.لا تسع الحيلة المرء إلا للقول إننا إزاء اختفاء الكائن البشري من العالم بالمعنى الذي صاغه Barry Sanders في كتابه الشهير وغزة هنا هي العالم، أو فلنقل، غزة هي اختصار فجّ لكل العالم.لا فرضيات متناقضة لارتكاب الجريمة في غزة ولا غشاوة فوق عيون من يرتكبون هذه الجريمة، إن الأمر بالنسبة لهم بغاية الوضوح والدقة. فطرد أهل غزة منها وتحويلها إلى منتجع سياحي ضخم هو حاجة عالمية بالنسبة للذين يحتكرون كل تعريفات العالم وحاجاته الضرورية.إن استجواب الحقّ في هذا الصدد هو تخريفة في غير محلها بالنسبة لنبي الخروج الجديد، دونالد ترامب، بل إن هذا الإستجواب هو تشويش طارىء بل ترى استجواب الحق فيما يتعلق بطرد الناس من أرضهم هو بالنسبة لمحتكري كل المفاهيم مجرد إفراط في فعل الثرثرة. فالعالم بالنسبة إلى هؤلاء ليس ملتبس الملامح بالمرة وهو بغاية الوضوح والصراحة وأكاد أن أقول النضارة. ينهي Barry Sanders المناوىء لسياسة بلاده منذ عقود وعقود كتابه بتحذير كان قد أطلقه إدغار آلان بو مفاده الخوف من أن يُدفن الناس أحياء... يبدو أن غزة باعتبارها العالم الذي قد احتُكرت فيه كل ضروب التعريفات من قِبل دونالد ترامب قد أوفت خوف الكاتب الأميركي المجنون حقه.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top