في الوقت الذي يُغري الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إيران، بجزرة المفاوضات، تعمل حليفته إسرائيل بصمت على تطويق طهران وحصارها عبر جارتها الشمالية أذربيجان، تمهيداً إما لتوجيه ضربة عسكرية لها أو للقيام بعمليات أمنية وتخريبية ضدها متى يحتاج الأمر، وذلك بالاستفادة من قدر الجغرافيا السياسية الذي وضع باكو على الحدود الإيرانية.عقر دار الجمهوريةهذه المرة، قررت تل أبيب نقل المواجهة إلى عقر دار الجمهورية الإسلامية، من خلال الإطباق عليها بحلف ثلاثي طور التشكّل، يضم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وأذربيجان. وفي السادس من آذار/مارس، أعلنت تل أبيب أنها تُجري مناقشات مع واشنطن لإقامة تعاون ثلاثي مع باكو يهدف إلى تعزيز العلاقات الراسخة بينهما في مجالات الأمن والطاقة والدبلوماسية.اللافت أن هذه المبادرة الثلاثية تُرسّخ مكانة أذربيجان كجسر بين الشرق الأوسط وجنوب القوقاز والغرب، وتأتي في أعقاب زيارات رفيعة المستوى وتعاون متزايد في "مجال الطاقة ومكافحة الإرهاب بين أذربيجان وإسرائيل التي تدفع وبدعم أميركي إلى ضم باكو إلى اتفاقات أبراهام.علاوة على ذلك، من شأن هذه الصيغة الثلاثية المقترحة، توثيق العلاقات الأذربيجانية الأميركية، لا سيما في ظل إدارة ترامب الجديدة، إضافة إلى موازنة التهديدات الإقليمية الإيرانية لإسرائيل تحديداً.أذربيجان وإمكانية الانضمام إلى نادي إبراهامعملياً، شهدت الأسابيع الأخيرة حملة متصاعدة، في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، لضم أذربيجان إلى اتفاقيات أبراهام. وتبعاً لذلك، جادل مركز "بيغن" البحثي الإسرائيلي الرائد، بأن باكو ستكون إضافةً مثاليةً إلى النادي.كما أرسل عددٌ من الحاخامات المؤثرين، بقيادة مؤسس مركز "سيمون فيزنتال" في لوس أنجلوس، مارفن هير، والحاخام الرئيسي لدولة الإمارات، إيلي عبادي (الذي يُصادف أنه شريكٌ مقربٌ لصهر ترامب، جاريد كوشنر، وكان له دورٌ أساسيٌ في صياغة اتفاقيات أبراهام الأصلية)، رسالةً إلى ترامب للترويج لضم أذربيجان إلى هذه الاتفاقات. فيما ضخّمت صحيفتا "وول ستريت جورنال" و"فوربس" هذه الرسائل في صفحاتهما الافتتاحية.بموازاة ذلك، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في السادس من آذار/مارس، وفقاً لصحيفة "جيروزاليم بوست"، أن بلاده منخرطة في مناقشات مع الولايات المتحدة "لإقامة أساس قوي للتعاون الثلاثي بين تل أبيب وباكو وواشنطن".والمثير أن هذا البيان، ترافق مع نقاشات في الكنيست الصهيوني حول "تعزيز التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل وأذربيجان"، حيث ركزت على دور باكو كـ"حليف استراتيجي في منطقة القوقاز"، مع تعاون ثنائي يشمل الأمن والتجارة والتكنولوجيا والطاقة.العلاقات التاريخية بين أذربيجان وإسرائيلعندما عرّفت إسرائيل إيران في أوائل التسعينيات بأنها التهديد الرئيسي لها، سعت إلى إقامة علاقات مع أذربيجان كقوة مضادة. فباكو استفادت كثيراً من تلك العلاقة، خصوصاً وأن إسرائيل لعبت دوراً رئيسياً في هزيمة أذربيجان لأرمينيا في حروبهما عامي 2020 و2023، حول منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها. فبحسب معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، شكلت إسرائيل ما يصل إلى 70 في المئة من واردات أذربيجان من الأسلحة المتقدمة.بدورها، تُعد أذربيجان المورد الرئيسي للنفط إلى إسرائيل، الذي يمثل نسبة 40 في المئة من إجمالي واردات النفط، وفقاً لموقع bne IntelliNews المتخصص بالأسواق الناشئة. والأكثر أهمية في هذا المجال، أن باكو لم تُعلق شحنات النفط أبداً خلال حرب إسرائيل على غزة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ولاحقاً أثناء حرب لبنان ضد حزب الله.إلى جانب ذلك، حقق البلدان إنجازاً استراتيجياً فائق الأهمية، حيث وقعا في 17 آذار/مارس، اتفاقيةً للتنقيب المشترك عن الغاز في حقل "تمار" في البحر الأبيض المتوسط، تمكنت بموجبها شركة النفط الحكومية الأذربيجانية (سوكار)، بالشراكة مع شركة "بي بي" البريطانية وشركة "نيوميد إنرجي" الإسرائيلية، من الاستحواذ على حصة تصل نسبتها الى حوالي 10 في المئة على ذمة موقع "تايمز أوف إسرائيل".الهدف من التحالف الإسرائيلي ــ الأمريكي ــ الأذربيجانيفي الحقيقة، تبدو الخطوات الإسرائيلية تجاه أذربيجان، محيرة للوهلة الأولى. فباكو، من الناحية العملية، هي بالفعل حليف وثيق لإسرائيل - إلى حد أكبر بكثير من أي من الدول العربية الموقعة على اتفاقيات إبراهام؟ لذلك يطرح السؤال نفسه، ما الذي تسعى إليه تل أبيب حقاً؟ من هنا نجد أن هناك عدة أهداف من وراء هذه الحراك الإسرائيلي في منطقة القوقاز ويمكن إيجازها بالآتي:أولاً: ضم الولايات المتحدة إلى التحالف الثنائي القائم. ولهذه الغاية أعلن مكتب نتنياهو أن إسرائيل تسعى إلى "إرساء أساس متين للتعاون الثلاثي" مع الولايات المتحدة وأذربيجان. وفي الإطار ذاته أوضح سيث كروبسي وجوزيف إبستاين هدف هذا التحالف في مقال الرأي في صحيفة "وول ستريت جورنال" في 14 آذار/مارس، هو زيادة الضغط بشكل كبير على الحدود الشمالية لإيران.ثانياً: تعزيز علاقة باكو بواشنطن، وبالتالي تشجيع أذربيجان على اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه إيران. هذا، فضلاً عن وضع أذربيجان في طليعة التحالف المناهض لإيران عبر تأليب الجالية الأذرية الكبيرة في إيران (التي تصل إلى 20 في المئة من إجمالي السكان) على النظام وحشدها ضده.ثالثاً: بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، فإن الأهمية الاستراتيجية لأذربيجان تتجاوز مجرد مواجهة إيران. فبصفتها مركزاً محورياً على الممر الأوسط، وهو طريق تجاري حيوي يربط أوروبا بآسيا الوسطى عبر جنوب القوقاز، تلعب أذربيجان دوراً حاسماً في سلاسل التوريد العالمية.رابعاً: تعتبر طهران هذا التحالف تحدياً لنفوذها الإقليمي، كونه يشجع أذربيجان على توسيع نفوذها، والتمسك أكثر فأكثر بمطالبها ب"ممر زانجيزور" الذي سيربطها مباشرة بتركيا، وهذا ما تخشاه طهران التي ستفقد عندها حدودها مع أرمينيا ويمكّن منافستها أنقرة، وعدوها اللدود إسرائيل من ترسيخ وجودهما في حديقتها الخلفية.أيام عصيبةفي زمن التحولات الكبرى تعيش إيران أياماً عصيبة جراء الضربة القاسمة التي تلقتها بعد خسارتها سوريا، لذا سيساهم هذا التحالف الناشئ في زيادة الضغط على طهران التي يبدو أنها أصبحت مكبلة الأيدي هذه الأيام.المصادر:
1 ــ https://www.timesofisrael.com/azerbaijans-state-oil-company-to-buy-10-stake-in-israels-tamar-gas-field/
2 ــ https://www.intellinews.com/details-uncovered-on-continued-azerbaijani-oil-exports-to-israel-via-turkey-327348/#
3 ــ https://www.wsj.com/opinion/israels-new-friend-in-the-muslim-world-azerbaijan-middle-east-iran-834ec70d
4 ــ https://www.fdd.org/analysis/2021/04/28/iran-is-more-than-persia/
5 ــ https://www.jpost.com/israel-news/article-845076
6 ــ https://www.gov.il/he/pages/news-170325
7 ــ https://responsiblestatecraft.org/regions/middle-east/