"نكون أو لا نكون"، العبارة الخالدة في العمل الأدبي الشكسبيري، يكاد لا يوجد أحد لم يسمع بهذه المناجاة لشخصية هاملت وهو يتساءل عن معنى الموت والحياة. عمل مسرحي يكشف الطبيعة المؤلمة للوجود الإنساني وفكرة الانتحار هرباً من عبء الألم العاطفي والأخلاقي.
هي واحدة من أعظم أعمال شكسبير وأكثرها جدلاً وأصعبها. ترجمت إلى عشرات اللغات العالمية ولعبت على معظم خشبات مسارح العالم. هاملت في صراعه الداخلي والتشكيك بكل ما يدور حوله، هو المطالب بالانتقام فيتظاهر بالجنون للتحقيق في مزاعم الشبح الذي يظهر عليه ليشكك في كل قريب حوله. هي واحدة من أطول المسرحيات الشكسبيرية والتي اقتبسها مئات الكتاب والمخرجين لإبراز جانب من جوانب هذه الشخصية المسرحية التي ما زالت مثيرة للنقاش.
في أواخر أعماله المسرحية، قام المخرج جيرار افاديسيان باقتباس هذا العمل وتوليف زمن أحداث العمل، إذ يستهله باللحظات الأخيرة من حياة هاملت وما دار في مخيلته من تسلسل لأحداث العمل الزمنيّ وبنيته الكلاسيكيّة الشكسبيريّة، جاعلاً الشخصيّات تتحرّك في مخيّلة هاملت المجنون على شكل هلوسات تلازمه كأنها شبح والدِه الذي يحاصره في كل اتجاه. هذا العمل الذي سبق أن قدمه افيديسيان من تمثيل رفعت طربيه قبل سنوات بعنوان "هاملت الأمير المجنون"، استعيد الأسبوع على مسرح بيريت من تمثيل رفعت طربيه وإخراج لينا أبيض وحمل العنوان ذاته.درامي- ملحمي
عرض مونودرامي بلغة عربية فصحى صلبة، تتطلب مقدرة تمثيلية وأدوات ممثل من طراز رفعت طربيه، خريج مسارح الستينيات ولا سيما مسرح منير أبو دبس وريمون جبارة وغيرهما. حضور آسر من طربيه يرافقه على المسرح شخصين صامتين كأنهما ظلان أو شبحان أو ملقنان لشخصية هاملت إذا ما دعت الحاجة. أداء على خلفية لوحات بالأبيض والأسود من الرسام جان مارك نحاس، فيها ملامح العنف والصراع الداخلي للوجوه والعيون والصراخات التي تملأ الشاشة البيضاء أو الستائر المتدلية في خلفية المسرح. كذلك الملابس من بشارة عطالله التي تتبدّل من الأسود والأبيض إلى البني مع مواقفه وتوتر الاحداث المتصاعدة، كما يبرز ثياب المهرج الذي يعيد هاملت إلى ذاكرته الطفولية.
خمس فصول من الاحداث، يولفها الراحل افيديسيان على مدى ساعة تقريباً وفي زمن غير متسلسل، عمادها حضور رفعت طربيه وقدرته على دمج شخصية هاملت بشخصية الراوي والتنقل من حالة إلى أخرى ومن فعل إلى آخر ومن شخصية إلى أخرى. يمسك رفعت طربيه المتلقي بأداء وعصب كلاسيكي غاب اليوم عن مسارحنا، وهو يمسك الإيقاع الصوتي والحركي رغم تأرجح النص وتفككه أحياناَ أو استسهال وتسريع أحداثه مثل حكاية ظهور أمير الدانمارك التي أتت حكواتية وأوفيليا التي برزت بطريقة كاريكاتورية كذلك ظهور طيف الأب القتيل، ليعود طربيه ويمسك بعصب شخصية هاملت في مشاهد أخرى الدرامية الصرفة وليعود ويحول الشخصية إلى شخصية ملحمية تروي وتروي وأحياناً تكسر الجدار الرابع لتنزل عند الجمهور وتخاطب الواقع اليومي المعاش وليخاطب السلطة بخطاب شعبي ضاحك قبل أن يلملم شخصية هاملت الفريدة ويعود ويبسطها على المسرح بحنكة ودهاء وخبرة باع طويل واختبار على خشبات المسرح في لبنان. (*) تستمر عروض مسرحية "هاملت الأمير المجنون" تمثيل رفعت طربيه وإخراج لينا أبيض واقتباس ورؤية من الراحل جيرار أفيديسيان حتى 30 آذار الحالي.