أصدر القضاء الجزائري حكمه في قضية الكاتب الفرانكو-جزائري بوعلام صنصال، فقضت محكمة الدار البيضاء بالحكم عليه بخمسة سنوات سجناً نافذاً مع غرامة مالية قدرها 500 ألف دينار جزائري (حوال 3500 يورو)، بعد إدانته بتهم "المساس بأمن الدولة وإهانة الجيش والمؤسسات الحكومية، والمساس بالوحدة الوطنية والاقتصاد الوطني". وجاء هذا الحكم بعد محاكمة سريعة استغرقت 20 دقيقة، واجه خلالها صنصال اتهامات خطيرة، منها التواصل مع جهات أجنبية عبر مراسلات إلكترونية مع سفيرين فرنسيين، إضافة إلى امتلاكه ملفات وفيديوهات اعتبرتها النيابة تمس بالأمن القومي.
وكانت النيابة العامة قد التمست في وقت سابق 10 سنوات سجناً نافذاً وغرامة مالية، معتبرة أن التحقيقات الأمنية أكدت تورط صنصال في نشر أفكار تهدد استقرار البلاد. وقد شهدت القضية اهتماماً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن المحاكمة تطبيق صارم للقانون ضد أي محاولة للمساس بالاستقرار الوطني.وندد فرنسيون من جميع الأطياف بشدة بصدور حكم بالسجن على بوعلام صنصال، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه يأمل "بشدة" في "أن يصبح" صنصال "رجلاً حراً مرة أخرى" و"يستعيد صحته". وقال ماكرون في مؤتمر صحافي عقب قمة بشأن أوكرانيا، في إشارة إلى عفو محتمل من الرئيس الجزائري عن الكاتب: "أعلم أنني أستطيع الاعتماد على الحس السليم والإنسانية لدى السلطات الجزائرية لاتخاذ مثل هذا القرار". فيما قالت مارين لوبان، زعيمة التجمع الوطني اليميني المتطرف، إن إدانة صنصال "هي في الواقع، بالنظر إلى عمره وحالته الصحية، حكم بالسجن مدى الحياة" معتبرة القرار "فضيحة". وأضافت: "سيبقى هذا وصمة لا تُمحى على النظام الجزائري. في الواقع، بوعلام صنصال هو رهينة النظام الجزائري الذي يستخدمه لإرضاخ فرنسا". من جهتها، كتبت ماتيلد بانو من حزب اليسار الراديكالي "فرنسا الأبية"، في "إكس" أن "جريمة الرأي يجب ألا يكون لها وجود. نحن نطالب مرة أخرى بإطلاق سراحه فورًا". وكذلك اعتبر لوران فوكييه، زعيم نواب حزب اليمين "الجمهوريون"، في "إكس": "إدانة (صنصال) غير عادلة من نظام يكره الحرية"، داعيًا إلى "الخروج من الخضوع للنظام في الجزائر". أما رئيس الوزراء الفرنسي السابق غابرييل أتال، رئيس الحزب الرئاسي "النهضة" ومجموعته البرلمانية في الجمعية الوطنية، فقد ندد بـ"مهزلة قضائية".وكان الروائي بوعلام صنصال الذي وجد نفسه في قلب أزمة غير مسبوقة الخطورة بين فرنسا والجزائر، متهماً خصوصاً بـ"المساس بوحدة الوطن"، بسبب تصريحات، في وسائل إعلام فرنسية يمينية متطرفة، تبنى فيها موقف المغرب الذي يفيد بأن أراضيه بترت لصالح الجزائر تحت الاستعمار الفرنسي. وصار صنصال غير المعروف على نطاق واسع في فرنسا قبل هذه القضية، يحظى بتضامن واسع بين الفرنسيين. وتجمّع الثلاثاء مئات الأشخاص في باريس للمطالبة بالإفراج عنه، بينهم شخصيات من اليمين المتطرف مثل مارين لوبان وإيريك زيمور. وقبل سجنه، كان صنصال الذي شغل مناصب مسؤولية رفيعة في الحكومة الجزائرية سابقاً، صوتاً ناقداً للسلطة، لكنه كان يزور الجزائر بشكل عادي وكتبه تُباع فيها من دون قيود.وجاء توقيف صنصال في 16 تشرين الثاني/نوفمبر وسط أزمة دبلوماسية تسبّب بها إعلان باريس الصيف الماضي تأييدها تطبيق الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، ما دفع الجزائر إلى سحب سفيرها من فرنسا. وقبل النطق بالحكم رأى محللون أن مصير صنصال قد يلعب دوراً حاسماً في تهدئة أكبر أزمة دبلوماسية في العلاقات بين الجزائر وباريس منذ عقود، من خلال "إدانة مخففة أو مع وقف التنفيذ لأسباب طبية" أو حتى عقوبة سجن "يتبعها عفو رئاسي" في نهاية رمضان.وتعتبر الجزائر نفسها ضحية لحملة من اليمين واليمين المتطرف الفرنسي الذي يكثف الدعوات لمعاقبة الجزائر، أو حتى قطع العلاقات معها. ويقود وزير الداخلية الفرنسي برونو روتاليو الذي يقوم بحملة لرئاسة حزب "الجمهوريون" اليميني، هذه المعركة. وهدد روتاليو، الذي يعتبر نفسه صديقا لصنصال، بـ"رد متدرج"، بعدما رفضت الجزائر استقبال مؤثرين جزائريين طُردوا في كانون الثاني/يناير من فرنسا بعد تهديدهم معارضين عبر الإنترنت. وكتب الروائي الجزائري سعيد خطيبي:
خمس سنوات سجناً في حق الكاتب بوعلام صنصال
أظنّ أن الكاتب يمكن أن نتّفق معه أو نختلف، ويمكن أن نردّ عليه، لكن مكانه ليس السّجن.
الجزائر هي بلاد أبوليوس والقديس أوغستين، بلاد مصطفى بن براهيم وآسيا جبّار... الأدب حافظ على ذاكرتها، ولا يصحّ أن نرى واحداً من مثقّفيها في السّجن.
أتمنّى أن يستفيد من عفو، أن يعود إلى أهله وإلى الكتابة.وكتب الروائي العراقي علي بدر:
بصراحة الحكم على الكاتب الجزائري بوعلام صنصال 5 أعوام صادم بالنسبة لي. انا قرأت هذا الكاتب الذي يكتب بالفرنسية والتقيته أكثر من مرة في مهرجانات دعينا لها معا آخرها في إيطاليا، واشتبكت معه بنقاشات كثيرة، فهو يقدّم نفسه ككاتب نقدي ومتمرّد على الخطاب السائد، لكنه في الحقيقة يتبنّى خطابًا يتقاطع مع الرؤية الاستشراقية الجديدة، حيث ينقل مركز العنف من الاستعمار إلى الإسلام، ويُعيد صياغة التاريخ بما يتماهى مع السردية الفرنسية الكولونيالية. فالاستعمار غائب أخلاقيًا، حاضر تنظيميًا في رواياته مثل "القرية الألمانية" (Le Village de l’Allemand) أو "2084: نهاية العالم"، نلاحظ أن الاستعمار الفرنسي لا يُمثَّل كقوة عنيفة أو مدمّرة، بل يكاد يظهر كقوة تنظيمية، عقلانية، ضرورية، مقارنة بما يسميه صنصال بـ"العنف الإسلامي". هناك محو شبه متعمد لتاريخ التعذيب، الاستغلال، ومجازر فرنسا الاستعمارية، ليحل محلها خطاب يدّعي أن انهيار المجتمع الجزائري نابع من نفسه، من ثقافته، من دينه. هو يستخدم الاسلام كتفسير أحادي للعنف كما أن موقفه من اللغة العربية موقفا سياسيا لا جماليا وكذلك نمن اللغة الفرنسية التي يتبناها فهو يعتبر الأخيرة لغة خلاص، وعقل، وحداثة. وهذا الموقف ليس مشكلة بحد ذاته، لكن الإشكال حين يتم استخدام هذا الخيار اللغوي كمنصة لتجريم الثقافة الأم ووصمها بالتخلف والهمجية. اللافت أن صنصال، في مقابلته للضحية والجلاّد، ينقل اللوم بالكامل على الضحية. فبدلاً من أن يفكك بنية الدولة الوطنية ما بعد الاستعمار (التي ورثت أدوات القمع من المستعمر)، يُحمّل المجتمع والدين والشعب كامل المسؤولية، وكأن العنف ظهر من الفراغ. وهذا هو مرد الاهتمام الفرنسي به.
لكن سجنه غير مبرر تماما، بل يعطي الذريعة أيضا لكل من يتبنى هذا الخطاب على الفشل الذريع للدولة الوطنية وعدم احترام الرأي فيها. كل تضامن مع الكاتب بوعلام صنصال ومن المتوجب ان تكون وقفة عربية حازمة من اجل اطلاق سراحه.