هنالك شيئان يتقنهما الممثل المصري أحمد مكي ببراعة، الأول قدرته على نصب الفخاخ لنفسه، والثاني مهارته الفذة في تحويل الشخصيات الدرامية إلى كاريكاتورية، والمراقب لأعماله الفنية يعرف أن هنالك متخيلاً واحداً يفضل قضاء حياته فيه، هو العالم الممتد زمنياً بين العامين 1980 و2000.
يؤمن الفنان الذي اشتهر بشخصية "الكبير"، بالسخرية على غرار الإنتاجات الأميركية مثل سلسلة "Scary Movie"، وهو النهج الذي التزم به منذ أول بطولة منفردة له. ورغم أن هذه الموجة من الأفلام انتهت في السينما الأميركية، أو لم تعد تحقق النجاح نفسه، الذي حصدته في السنوات الخمس الأولى من الألفية الجديدة، فإن مكي ما زال مقتنعاً بفاعليتها حتى اليوم، وربما إلى الأبد.وفي مسلسله الجديد "الغاوي"، الذي بدأ عرضه في النصف الثاني من رمضان، وكتب قصته بنفسه، وأخرجه محمد العدل، يظهر مكي في الحلقة الأولى ساخراً بشكل مباشر من الطريقة التي تقدم بها الدراما المصرية شخصية "الشعبي البسيط". لكنه، في الوقت نفسه، يملأ مسلسله بكل الكليشيهات التي استهلكتها الميلودراما المصرية على مدار تاريخها حتى أفقدتها معناها تماماً.على سبيل المثال، يبدأ المسلسل بالتركيز على علاقة البطل بابن شقيقته، مشدداً عبر الحوار على أن الأب مهمل بسبب إدمانه المخدرات، بينما يتولى البطل مسؤولية رعاية الصبي وأمه. وعندما تحاول العصابة الشريرة ابتزازه، يكون الطفل بالطبع هو الضحية المختطفة. وإمعاناً في تكرار الكليشيهات، يظهر البطل في صورة المثقف الموسوعي الذي لم يكمل تعليمه، لكنه اكتسب المعرفة من الحياة والكتب، وكأن "المعرفة" لا تحفز صاحبها على السعي للتعلم الأكاديمي. كذلك، يحافظ مكي على الصورة النمطية التي تقدم بها السينما والدراما الفنان أو المثقف، فهو إما مجنون مثل رسام الكاريكاتير الذي يظهر مع الحلقة الثالثة، أو منعزل عن العالم مثل فنان خيال الظل رضوان.أما الكليشيه الأكثر سخرية، فوقوع الفتاة الثرية فاطمة القادمة من "Egypt"، في غرام شمس، الشاب الفقير ابن الطبقة الشعبية، الذي يسخر مكي، من اللغة والهيئة التي تقدمها الدراما المصرية من خلالها.("الكبير أوي")وفي الجزء الثاني من مسلسل "أشغال شقة جداً"، رغم أنه أقل جودة من الجزء الأول الذي عُرض العام الماضي، استطاع المخرج محمد دياب أن يخلق "إيفيه" سيظل عالقاً في الأذهان، حين سخر من الصورة النمطية للصعيدي في التلفزيون. لكن مكي لا يمتلك سوى أسلوب "جوني" في "الكبير"، الذي استغله كأجنبي لانتقاد ما يواجهه من ظواهر وعادات مصرية لا معنى لها، ثم مع استمرار مواسم المسلسل، نسي أنه زار مصر والصعيد للمرة الأولى العام 2010، وبدأ يستخدمه لانتقاد ظواهر اجتماعية وأساليب حياة لم يعشها، لأنها سابقة في ظهورها على هذا الزمن. وهو الأسلوب الفج والمباشر نفسه الذي تتسم به عروض الستاند-أب كوميدي المصرية ذات المستوى المتواضع.ورغم أن المسلسل يقدم شخصية جديدة لم تتناولها السينما المصرية من قبل، وهي "أمن المنطقة" أي الشخص الذي يضمن عدم تدخل الأهالي وسلاسة التصوير داخل الأحياء والمناطق المختلفة، فإن أداء مكي يفتقر إلى البراعة، وبالتالي، لا يُتوقع منه تفاعل أصيل مع الشخصية كما يفعل ممثلون من طراز نور الشريف أو أحمد زكي، بل على العكس، يفرغ الشخصيات من واقعها ليجعلها كاريكاتورية، تماماً كما فعل مع شخصية "الكبير". وإن كان مكي يتقن اللهجة الصعيدية ربما أكثر من بعض أبناء الصعيد أنفسهم، فإنه ينتزع الشخصية من بيئتها الواقعية ليضعها داخل عالمه المتخيل، الذي يعكس تصوره الخاص عن الحياة والشخصيات، بالضبط مثل المخرج محمد سامي، الذي يصور الطبقات الشعبية كما يتخيلها، وليس كما هي في الواقع.لكن مشكلة مكي الحقيقية ليست في أسلوبه المباشر فحسب، بل ثقته المطلقة في نفسه. ففي بداياته، كان ذكياً حين وزع المشاهد على ممثلين آخرين يدعمونه، كما حدث في "إتش دبور"، و"طير أنت"، و"لا تراجع ولا استسلام"، والأجزاء الأولى من "الكبير"، حيث استعان بدنيا سمير غانم ومحمد سلام وماجد الكدواني وبيومي فؤاد وهشام إسماعيل وحسين أبو حجاج ومحمد شاهين. لكنه لاحقاً، بدأ يستحوذ على العمل بالكامل. وحتى عندما استعان بوجوه جديدة لتعويض غياب بعض الشخصيات، تقلصت أدوارهم لصالح هيمنته المطلقة.وعندما تعرض المسلسل لانتقادات الجمهور، لم يحاول مكي تصحيح مساره، بل خصص حلقات منه للسخرية من تلك الانتقادات، وكأنه لا يعترف برأي المشاهدين أو لا يأبه بهم. أو، ربما، لأنه يرى جمهوره نفسه كاريكاتورياً، تماماً كما يرى الشخصيات التي يقدمها، أو كما يتخيل العوالم التي يصنعها في أعماله.