حين رفع وزير المال ياسين جابر، الثلاثاء الماضي، ثلاثة أسماء لاختيار الحكومة من بينها حاكماً لمصرف لبنان لم يستهدف فعلياً وضع الخيارات الثلاث على طاولة الحكومة إنما استهدف استبعاد المرشح المنافس جهاد أزعور والدفع باتجاه اختيار كريم سعيد دون سواه. وليس تكهناً بما أراده جابر، فالإسمان اللذان أدرجا إلى جانب سعيد، وهما إدوارد الجميّل وجميل باز، لم يتم البحث بسيرتهما لاسيما أن جميل باز أعرب أمام أكثر من شخص بأنه غير مهتم على الإطلاق بتولي منصب حاكم مصرف لبنان في حين لم يتم التداول جدّياً باسم إدوارد الجميّل.
وفي حين شغل باز مناصب رفيعة في غولدمان ساكس ودويتشه بنك وليمان براذرز والبنك الدولي، ومثله شغل الجميّل مناصباً في مصرف لبنان وصندوق النقد الدولي، غير أن جولة المشاورات لم تشمل الرجلين، وقد تركّزت بحسب المصادر على نقطتين أساسيتين: الأولى استبعاد أزعور من بين الأسماء ومحاولة حشد تأييد حكومي واسع لتسمية كريم سعيد. لكن لماذا كل هذا الإصرار على تسمية كريم سعيد لحاكمية مصرف لبنان؟ ولماذا لا يتم التوافق على اسم لا تربطه علاقة بالمصارف اللبنانية، والإصرار على تسمية شخصية على علاقات متشعّبة مع المصارف، في وقت يقف لبنان على أبواب مرحلة حاسمة لحل أزمته المصرفية والمالية. وكيف يمكن لحاكم منحاز مسبقاً إلى جانب المصارف أن يخرج بحلول مصرفية منصفة لكافة الأطراف، لاسيما المودعين وهم الحلقة الأضعف؟ وهل يجوز لمرشح إلى مركز أعلى سلطة نقدية أن يكون عضواً في مجلس إدارة مصرف يرأسه مستشار مالي في القصر الجمهوري؟قضية ما بعد الحاكميةالقضية ليست مع أو ضد كريم سعيد، إنما هي قضية سيطرة المصارف على سدة القرار في مصرف لبنان، وأكثر من ذلك هي قضية ما بعد حاكمية مصرف لبنان، قضية النظام المصرفي السياسي المقبل، يقول مصدر متابع لقضية تسمية حاكم مصرف لبنان. ويسأل كيف يمكن تسمية حاكم تتقاطع علاقاته مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ومصالحه، ومع المصارف اللبنانية.
ويذهب المصدر أبعد من ذلك بالسؤال عن كيفية تعامل كريم سعيد كحاكم مقبل لمصرف لبنان مع عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي التي يتحفّظ عليها ولم يعرب يوماً عن تأييده لأي حلول مالية ومصرفية عن طريق صندوق النقد. فبرأي سعيد يمكن بيع احتياطي الذهب لتسوية مسألة سندات اليوروبوند بعد شطب جزء منها أما الودائع فيتم تحويل كل ما يفوق 100 ألف دولار إلى دين عام على الدولة، كما أنه يعارض بشدّة مسألة رفع السرية المصرفية وهي التي اعتبرها رئيس الحكومة نواف سلام بأنها الأساس للإصلاح المالي ومكافحة الفساد.
هذه هي الحلول التي يردّدها سعيد على مسامع الخبراء والمصرفيين الذين يحاربون لتسميته حاكماً لمصرف لبنان. ويرى المصدر أن تسمية سعيد فيما لو حصلت فهي ستكون عرضة للطعن على أساس تضارب المصالح لما له من مواقف وآراء تصب في صالح المصارف على حساب الصالح العام.اسم ثالث!وعلى الرغم من دفع أوساط رئاسة الجمهورية في اتجاه تسمية كريم سعيد يبدو أنه لم يتم التوصل إلى توافق على تسميته بعكس ما يُشاع، وفيما لو استمر التشبث باسم كريم سعيد فثمة احتمال أن يُطرح اسمه على التصويت في مجلس الوزراء علماً انه من المستبعد أن يحصل اسم سعيد على غالبية الأصوات حتى اللحظة.
ويكشف مصدر آخر بأن ثمة ضغوطاً من قبل الفرنسيين في اتجاه العدول عن اسم سعيد، وبحسب المصدر نفسه فإن الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي سيجول على المسؤولين اللبنانيين في بيروت غداً، يحمل في جعبته طرحاً لحل عقدة حاكمية مصرف لبنان يتمثل بتولي المصرفي سمير عساف لمدة سنتين لتمرير استحقاق التفاوض مع صندوق النقد باعتباره من الأولويات اليوم "ومن غير المقبول عرقلة مسار التفاوض مع الصندوق قبل أن يبدأ رسمياً، في حال تولي كريم سعيد منصب الحاكم باعتباره على الضفة الأخرى في مقابل الصندوق".