ترسم انتخابات بلدية جونية نموذجاً مصغراً لما سيكون عليه المشهد السياسي في الانتخابات النيابية المقبلة، تحديداً في الأوساط المسيحية. فما يدور على أرض هذه المدينة هو صراع سياسي مغلف بتنافس بلدي. وكما طاولت التغييرات العميقة سياسة البلد إلى حدّ غير قليل، فإن التغيير ينسحب على جونية. فللمرة الأولى يتحالف كل من النائب نعمت افرام والنائب السابق منصور البون مع القوات اللبنانية عبر إعلان رسمي. فالرجلان اللذان طالما حرصا على استقلاليتهما، وكانا "يستصعبان" المشاركة في لوائح "القوات" تحديداً، أعلنا، كلّ من جهته، عن تحالفهما الانتخابي. ويضم التحالف كذلك حزب "الكتائب اللبنانية" الذي حسم موقفه لجهة انتخابات جونية، ويضع اللمسات الأخيرة للتحالف مع القوات على مستوى كل بلديات لبنان.
مقابل هذا الاصطفاف، يحاول "التيار الوطني الحر" أن يجمع ما بين النائب فريد هيكل الخازن ورئيس البلدية الحالي جوان حبيش، للتمكن من خوض معركة متكافئة. المفاوضات مستمرة وإن لم تنجح حتى الآن في الوصول إلى اتفاق.
وليس أبلغ دلالة على الطابع السياسي للمعركة من تقدم أسماء السياسيين في التفاوض: البون، الخازن، افرام، القوات، الكتائب وتراجع أسماء المرشحين.
فالمرشحون اليوم هم إضافة إلى حبيش، رشيد الخازن شقيق النائب الخازن، وفيصل افرام شقيق النائب افرام."بروفا نيابية"كان البيان الصادر عن "القوات" والبون شديد الوضوح في السياسة. وجاء فيه: "يؤكد الفريقان أنّ هذا التحالف البلدي والاختياري سيؤسّس لمرحلة جديدة من التحالف في الانتخابات النيابية المقبلة بين الشيخ منصور غانم البون ونجله فؤاد مع حزب القوات اللبنانية". أعلنت، إذاً، نواة أولى لوائح كسروان-الفتوح النيابية وفيها فؤاد منصور البون مرشحاً على لائحة القوات.
افرام لم يذهب إلى هذا الحدّ في إعلانه. للنيابة عنده حسابات تخضع للأرقام والنسب والعتبة الانتخابية والصوت التفضيلي وغيرها. لكن الأكيد، حسب معلومات "المدن"، أن التوافق حول انتخابات جونية سينسحب على كل البلدات الكسروانية.
"القوات اللبنانية" حصان رابح في الساحة المسيحية اليوم بعد اتساع جمهورها، خصوصاً في أوساط الشباب. صحيح أنها ستجيّر أصواتها لانجاح فيصل افرام في جونية، إلاّ انها ستستفيد من قاعدة افرام والبون اللتين تشكلان قوة لا يستهان بها في سائر بلدات وقرى كسروان-الفتوح. هو تحالف الأقوياء الذي سيصعّب المعركة على خصومهم.تقول مصادر "القوات" أن أهم ما يميّز تحالفاتها كونها "طبيعية تحترم الناس. فجميع حلفائنا وفي طليعتهم حزب "الكتائب"، كما افرام والبون هم سياديون نلتقي معهم على الخطوط الوطنية الكبرى".مساعي التيار"التحالف الذي يحترم الناس" هو أيضاً ما يشدد عليه مصدر قريب من حبيش لـ"المدن" مؤكداً التحالف بينه وبين "التيار الوطني الحرّ"، و"قنوات التفاوض مفتوحة مع الشيخ فريد الخازن للوصول إلى تفاهم". وينفي المصدر ما يُشاع عن التوافق على رشيد الخازن رئيساً للبلدية مقابل أن يكون حبيش نائباً للرئيس ولاحقاً رئيساً لاتحاد بلديات كسروان-الفتوح. كما ينفي كذلك أن يكون الاتفاق تم بالتناوب على الرئاسة ثلاث سنوات لكل من حبيش والخازن.
وعما إذا كان التوافق الذي أنجز بين القوات وحلفائها يحسم المعركة لصالحهم، يؤكد المصدر القريب من حبيش أنها "ليست أولى المعارك. الناس مفروزة. صحيح أن القوات اليوم أقوى من سنوات سابقة في كسروان، إلاّ أن التوازنات في جونية دقيقة جداً ولها خصوصيتها. ولذا، حسابياً وضعنا جيد جداً، وإذا تم التحالف مع الشيخ فريد يصبح ممتازاً".صراع المشايخ خصوصية جونية ببلداتها الأربعة: غدير، صربا، ساحل علما وحارة صخر تجعل الأحزاب تدعم المستقلين فيها لرئاسة بلديتها. هي الخصوصية نفسها التي تجعلها مختبراً عملياً للتحالفات النيابية المقبلة. فمزاجها الشعبي يؤشر للآتي من الاستحقاقات، مما يجعل الاستقطاب شديداً بين المتنافسين، تستخدم فيه كل "الأسلحة"، حتى المحرّمة منها، كالمال السياسي مثلاً.
هي الخصوصية أيضاً، التي تجعل الانتخابات البلدية في جونية صراعاً سياسياً، أبطاله أحزاب يتحالفون مع "مشايخ": شيخ فريد وشيخ جوان وشيخ منصور، ووالدة افرام شيخة من آل الخازن، وصولاً إلى الشيخ سامي الجميل... ويرفعون جميعاً كأس طانيوس شاهين إبن كسروان وقائد "ثورة الفلاحين".