2025- 03 - 26   |   بحث في الموقع  
logo إيران ثاني المتأهلين لمونديال 2026 عن قارة آسيا logo لا توافق على كريم سعَيد الرافض لحلول صندوق النقد logo صراع خفي وخلاف حيال التعيينات الإدارية: "محنة" مبكرة للعهد logo انتخابات بلدية جونية: "بروفا" نيابية وصراع "مشايخ" وأحزاب logo سوريا تفتتح التصفيات بفوز مميز على باكستان logo بعد فضيحة "ذا أتلانتيك"... هيلاري كلينتون تسخر من ترامب! logo غزة: عشرات الشهداء وكاتس يصدّق خططاً عملياتية لاستمرار العدوان logo إطاحة تشكيلة "تلفزيون لبنان": الوزير قفز فوق الآلية الحكومية
قريباً عن "نوفل": "أغالب مجرى النهر" للجزائري سعيد خطيبي
2025-03-25 16:56:33

تصدر قريباً عن دار نوفل-هاشيت أنطوان، رواية "أغالب مجرى النهر" للكاتب الجزائري سعيد خطيبي. وفيها يصوّر الكاتب، على نحو أخّاذ، أناسًا انتهتْ بهم الحياة أسرى أقدارهم. "أغالب مجرى النهر"، التي تقع في 288 صفحة، رواية تصوّر ببراعة الانتظار المحموم للمنتظرين، بين يأس غير تام وأمل غير مكتمل. هي رواية الخاصّ والعامّ، ورواية اغتراب الذوات داخل أزماتها.
وجاء في نبذة الناشر:
في هذه الرواية، مشرحة، عيادة، وغرفة تحقيق تُستجوَب فيها امرأةٌ متّهمةٌ بمقتل زوجها.
في الطرف الآخر من المدينة، مناضلون قدامى يرجون رفع تهمة العمالة التي لُفّقَت لهم.
حدثان مختلفان تتكشّف العلاقة بينهما مع تقدّم الرواية، التي تؤرّخ لنصف قرنٍ من تاريخ الجزائر، من الحرب العالميّة الثانية حتّى مطلع التسعينيّات، مرورًا بحرب التحرير وما تلاها. وتكشف اللثام عن أزماتٍ اجتماعيّةٍ مسكوتٍ عنها مثل: الشروخ بين الأجيال، الهوّة بين الآباء والأبناء، الزيجات الفاشلة والهرب منها إلى العلاقات السرّيّة، الأمومة ومشقّاتها، التبرّع بالأعضاء البشريّة والاتجار بها...
في هذه الرواية أناس من مدينة نائية في الأطراف متسلّحون بالأمل، معلّقة أقدارهم بشخص آتٍ إليهم من عاصمة البلاد.في ما يلي، مقتطف حصري من رواية "أغالب مجرى النهر" - خاص لـ"المدن":
بلغ زملائي من العمر ما يؤهّلهم لوضع قدمٍ في الآخرة، وهم لا يبتغون إلّا خلاصًا من الفضيحة. يقضون أيّامهم في طرد الذباب وفي رثاء حالهم. يتمنّون ألّا يكتشف ذووهم ما لُفّق لهم من تهمة الحركى، فيلعنونهم في الحياة والممات. مع ذلك، لا يفوّتون أسمج نكتةٍ عن أنفسهم فيضحكون. سُعداء بشقاوتهم، ومؤمنون أنْ لا شفاء من فظاظة العيش إلّا بالضحك. جلستُ في مقعدي، وحلّوا تباعًا. لقد ربطتْ بيننا هذه الجمعية التي نراها مثل سفينة نوح، والتي نرجو منها إنقاذنا من النكران، الذي واجهَنا به رفاق الأمس.
أخبرَنا عين الطير، هكذا نسمّيه بعدما اشتغل قنّاصًا في سنيّ الحرب العالميّة، الذي لا يخطئ هدفًا لحدّة بصره، أنّه كتب رسالة تشرح وضعنا، وشرع في تلاوة ما جاء في ديباجتها:
"الأخ بودو،
نتوجّه إليكم بهذه الرسالة، أصالةً عن جمعية (قدامى المناضلين المستبعَدين)، غير المعتمَدة، وباسم أولئك الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل أن يتحرّر البلد، باسم المجاهدين والفدائيين، باسم الذين خاضوا معركتهم بشجاعةٍ وشرفٍ، وباسم الذين قضوا أشهرًا وسنينَ في ظلمات سجونٍ، من أجل أن ترفرف رايتنا...".
– يجب أن نوصل إليه الرسالة قبل أن يحلّ ببوسعادة، قلتُ.
يطّلع عليها ويستغلّ زيارته في تصوير لقاء معنا، فينتبه إلى أمرنا المسؤولون في العاصمة، ويردّون لنا الاعتبار.
– إذا انتظرنا وصوله ثم سلّمناه إيّاها، فمن المحتمل أنّ الوقت لن يُسعفه في تصوير مقابلة معنا.
هكذا تحدّث عين الطير، من خلف سحابةٍ أحدثتْها سجائره التي يلتهمها مثل شَرِهٍ يلتهم سكّرًا، فأخفتْ تجاعيد وجهه التي تخيف الأطفال. لقد نعتوه بالعميل إثر تنازعه مع أحد المناضلين قِطعةَ أرض.
واصل تلاوة ما جاء في الرسالة، التي نوّهت باسم كلٍّ منّا وبدوره في حرب التحرير، مُسهبةً في تفصيل الخلافات التي حصلت مع الآخرين، وكيف أنّ التهمة التي تُنسب إلينا باطلة. وبعد تشاورٍ دام نصف ساعةٍ، وافقنا على ما ورد فيها، قبل أن يكلّفوني السفر إلى العاصمة، وإيصالها إلى مكتب بودو في التلفزيون، إذ لا نملك عنوان بيته. أنا لا أحبّ الأسفار، وساءني أن كلّفوني تلك المهمّة.
– كنتَ صديقًا له، قال أحدهم.
– والبريد لا يؤتمَن، أضاف زميلي موحو.
وافقتُ على طلبهم وقررتُ أن أسافر إلى مقصدي في الأيّام المقبلة. ثُمّ شاركتُهم في تناول طبق حلَزونٍ بالثوم والزبدة، أعدّته وافدة جديدة إلى دار ياقوت، جمعت الحلازين من الوادي. مع أنّني أتلافى الأكل خارج البيت، حذَرَ الإمساك وآلام البطن.
وبعدما رفعتُ اللقمة الأخيرة، مسح عين الطير فمه بظاهر يده، وأبلغني أنّ زميلنا عكوري يعدّ أيّامه الأخيرة:
– سحبوا منه جهاز التنفس.
فلفظتُ اللقمة من فمي.
عمل عكوري حلّاقًا، سنوات الخمسينيّات، وفي ختان الأطفال في أوقات الفراغ. يسترزق من حلق الرؤوس في ثُكنة الفرنسيين، من غير أن يكفّ عن تسديد اشتراكاتٍ إلى جبهة التحرير. ثمّ اتُّهم بالعمالة عقب الاستقلال، بحجّة ثرثرته مع فرنسيين، عن أشخاصٍ التحقوا بالحرب.
عكوري من نوع الرجال الذين أسمّيهم متاعيس، بائس الحظّ، ودّ أن يُرضي الجميع فانقلب الحال عليه. سوف أسأل عنه جارتي نوسة؛ ابنة أخته. فعقب وفاة والدها رعاها هي وأمّها، وصيّرها مثل ابنةٍ له. كان يكسوها ويُطعمها، وإذا مرضتْ يدفع من جيبه لمداواتها. بل لم يتخلّ عنها بعدما تجبّر عليها زوجها، وطوّعه إلى أن صار خاتَمًا في إصبعها.
أخشى أن يلفِظ أنفاسه فيُدفن مثل غيره في زاوية الحركى، على طرف الجبّانة. في تلك الزاوية التي لا يمرّ جنبها أحد من دون أن يبصق على قبورها، ويدعو على موتاها بأن يضاعف الله من عذابهم ويقذف الفزع في قلوب أبنائهم. تلك الزاوية التي نرجو الفرار منها جميعًا. وأخشى أن نفشل في ذلك، مثلما فشلتُ في الفرار عام 1962، بعد اتهامي بالخيانة أنا كذلك.
هربتُ مع أهلي إلى قرية جنب بسكرة، سقوف بيوتها من قشٍّ وأُناسها يأكلون من خراج الأرض. لكنّ واشيًا سمح لهم باعتقالي، في صباحٍ حارٍّ نعى فيه الراديو ممثّلة اسمها مارلين مونرو. أعادوني إلى بوسعادة، بعدما غادرها الأوروبيّون، من دون أن تعرف زوجتي شيئًا ممّا حصل لي، وقد عادتْ بدورها إلى هذه المدينة مع ابنيّ.
"ورأس يمّا اعتقلوني بسبب خلط بين اسميْن"، هكذا كذبتُ عليها. فما أكتمه على عدوّي، أكتمه على أقرب الناس إليّ. تعلّمتُ أن أكذب دفاعًا عن نفسي لا إضرارًا بغيري، كما أنّ النساء لا دخل لهنّ في خصامٍ بين رجالٍ، كما تعلّمتُ مِن أبي.
حكموا عليّ بنزع الألغام من الحدود مع تونس، وعدتُ منها بعدما تأكّدوا أنّني لم أعذِّب ولم أقتل أحدًا من المجاهدين. أطلقوا سراحي بعدما كوَوا ظهري بصفيحة حديدٍ مشتعلةٍ، وكذلك فعلوا مع زملائي. وقد أفلحتُ في إخفاء الكَيَّة عن الأعين؛ فأنا لا أتعرّى أمام زوجتي، وأحرص على إعتام الغرفة كلّما نويتُ تغيير ثيابي، مثل العتَمة التي تسكن قلبي.

سعيد خطيبي كاتب جزائري (مواليد بوسعادة، 1984)، حاصل على ماجستير في الدراسات الثقافيّة من جامعة السوربون، وليسانس في الأدب الفرنسي من جامعة الجزائر. صدرتْ له خمس روايات آخرها «نهاية الصحراء» (نوفل، 2022) التي حازت جائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2023). تُرجمتْ رواياته إلى سبع لغات.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top