تشكل إيران احدى المحاور الرئيسية التي اهتم بها الرئيس الاميركي دونالد ترامب منذ عودته الى البيت الأبيض، مستخدماً شتى أصناف الاتهام والتهديد والتحفيز، وأخيراً بادر إلى إرسال رسالة خاصة الى المرشد علي خامنئي عبر الوسيط الإماراتي لم يُكشف عن محتواها رسمياً حتى اللحظة. اللحظة الترامبية جعلت إيران أمام وضع جديد يختلف تماماً عما كان عليه في عهد أي رئيس أميركي آخر حيث أن سلوكيات ترامب في السياسة الخارجية، عصية على التحليل والتنبؤ والتوقع. فلا أحد يعرف كيف يتصرف ترامب مع جارتيه كندا أو المكسيك على سبيل المثال، فضلاً عن إيران التي تعارض الولايات المتحدة منذ ما يقرب على خمسة عقود، تصدرت في هذه الفترة قائمة الدول المعادية لها عالمياً، ومن الطبيعي أن تتوخى الحذر.
الجمهورية الإسلامية تجد ذاتها بين مطرقة ترامب وسندان المعارضة الشعبية. ويمكن القول إن حكومة ترامب ليست هي المشكلة الوحيدة التي تواجهها الجمهورية الإسلامية، بل مشكلتها الكبرى هي الرأي العام في الداخل، حيث أن العقوبات الاقتصادية التي تعرضت لها إيران منذ عقود، تركت تأثيرها على حياة الموطنين بجميع مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية، وجعلت عموم الموطنين يشعرون بأن الصراع المستمر مع الولايات المتحدة لم يخلف سوى الدمار، خصوصاً عندما يلاحظ أن المواجهة والمعاداة بين إيران والولايات المتحدة انعكست على الحياة السياسية في الداخل وأعاقت حرية الرأي وحرية الانتخاب وحرية الصحافة والمشاركة السياسية الحقيقية وحتى الحرية الاقتصادية تحت ذريعة تهديد العدو الاجنبي.
يعرف النظام جيداً بأن هناك شرخاً واسعاً بينه وبين الشعب، ناتجٌ عن الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها. ولا يمكن التفاوض أو المواجهة مع العدو الاجنبي إلا من موقع القوة التي يشكل الرأي العام الداخلي أحد أركانها، وهو قد بدأ فعلاً بتنفيذ جملة إجراءات من أجل استرضاء الشعب.
تجميد قانون الحجاب الالزامي
أولى الخطط التي اتخذها النظام، هي الانسحاب من تنفيذ قانون الحجاب الإلزامي الذي يشلّ حياة النساء عبر فرض قيود متشددة أثارت سخط معظم الموطنين وحتى المحافظين الذين يرون بأن تنفيذ هذا القانون سيؤدي إلى إسقاط النظام. وصرح رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف مؤخراً بأن مجلس الامن القومي الإيراني حال دون تنفيذ هذا القانون، محذراً من تداعياته الوخيمة بالرغم من إقراره من قبل البرلمان ومجلس صيانة الدستور.
فتح المطاعم خلال رمضان
تزامن شهر رمضان الجاري مع عطلة رأس السنة الايرانية (نوروز) التي تستمر 13 يوماً، وبالرغم من أن النظام يحرص دوماً على الاحتفاظ بالمعالم والظواهر الإسلامية، ومنها إغلاق المطاعم ومنعها من تقديم الخدمات في أيام شهر رمضان وفرض الغرامات الباهظة على المخالفين في السنوات الماضية، إلا أنه ترك الحرية لهم وللمواطنين ورفع الحظر عن الإفطار في النهار.
الإفراج عن مهدي كروبي
الخطوة الثالثة التي تعبر عن رغبة النظام في التصالح مع الشعب، تمثلت في الافراج عن الزعيم الإصلاحي مهدي كروبي بعد 14 عاماً من الإقامة الجبرية، بدأت في 2010، بعد اندلاع الاحتجاحات على نتائج الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل، عام 2009، وكان مهدي كروبي أحد المرشحين الخاسرين المحتجين بجانب مير حسين موسوي الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية، إلا أن السلطات الأمنية طمأنت كروبي بأن الاقامة الجبرية سترفع عن موسوي وزوجته زهراء رهنفارد أيضاً.
تلك هي أهم الخطوات الاجتماعية والسياسية التي اتخذها النظام الإيراني في مواجهة الحالة الترامبية بشقيها التفاوضي أو العسكري. ذلك أن النجاح في اتخاذ أي من الخيارين بحاجة ماسة إلى توحيد الصفوف في الداخل قدر المستطاع، وغني عن الذكر أن وقوف الشعوب بجانب الحكومات شرط ضروري مسبق لاتخاذ أي قرار إن للتفاوض أو المواجهة.