لم تُخفِ جهات سورية عديدة دهشتها من استيراد سوريا للنفط الروسي، نظراً للعلاقة "غير الودية" التي تجمع موسكو بحكام دمشق الجدد، والجهود التي بذلتها موسكو "أمس فقط" لإبقاء الأسد في الحكم حتى الرمق الآخير، والنظرة "الشيطانية" التي ينظر بها السوريون الثائرون إلى الدور الروسي، لكن يبدو أن تشابك المصالح دفع باتجاه هذه الخطوة "المفاجئة".
فبعد أيام من تسلم سوريا شحنة "مازوت/ديزل" روسية، توجهت ناقلة نفط روسية من ميناء مورمانسك إلى ميناء بانياس، وعلى متنها مليون برميل من النفط الخام. وقالت مصادر متخصصة بمتابعة شحنات النفط، إن هذا التسليم هو الجزء الأول من ما ستدفعه السلطات الروسية مقابل الحفاظ على القواعد العسكرية الروسية على الأراضي السورية، وأضافت أن "الشحنات لم تعد مجرد عملية اقتصادية، بل أصبحت جزءاً من استراتيجية روسية تهدف إلى الحفاظ على نفوذها ووجودها العسكري في سوريا".
وفي تعليقه على التعاملات النفطية بين روسيا وحكومة دمشق، يقول الخبير الاقتصادي والمستشار في البنك الدولي كرم شعار، إن الاستمرار في العلاقات التجارية والاقتصادية القائمة بين موسكو ودمشق، التي كانت في عهد النظام البائد، أسهل بكثير على الإدارة السورية من تأسيس علاقات جديدة، في ظل تخوف الدول من العقوبات المفروضة على سوريا.
ويضيف لـ"المدن"، أن سوريا التي تحتاج للنفط، تجد صعوبة في بناء علاقات تجارية مع دول الخليج أو الاتحاد الأوروبي، في ظل المخاوف من سطوة العقوبات الأميركية، رغم أن الاتحاد الأوروبي سمح مؤخراً بإرسال شحنات نفطية إلى سوريا للاستخدام المدني. ويقول شعار: "للآن الموقف الأميركي من التعاملات التجارية والمالية مع سوريا، لا يزال غامضاً".
مساعدات روسية!
من جانب روسيا، تُشير التقديرات إلى التحديات التي تواجه موسكو في سبيل تصدير نفطها بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها بسبب أوكرانيا، مما دفعها إلى استهداف أسواق بديلة مثل سوريا.
لكن المستشار المقرب من وزارة الخارجية الروسية رامي الشاعر، يصف الشحنات بـ"المساعدات" التي تقدمها روسيا لسوريا في هذه الأوقات الصعبة. ويقول لـ"المدن": في الوضع الحالي لا يوجد إمكانية عند سوريا نتيجة العقوبات، بالإضافة إلى العائق المادي لاستيراد النفط، وأملنا أن تتجاوز سوريا هذه المرحلة الصعبة وأن تستفيد أيضاً إلى جانب النفط الروسي، من إمكانياتها النفطية الذاتية".
وعن المقابل الذي تريده روسيا، يقول الشعار: "نريد أن تتعافى سوريا من أزمتها وتعود جميع العلاقات السورية-الروسية التاريخية إلى وضعها الطبيعي في كافة المجالات".
اتفاق الضرورة
وفي ظل ما تعانيه الإدارة السورية من صعوبات في تأمين النفط، وعزوف غالبية الدول عن بيعها، لم تجد أمامها إلا روسيا، للتعويض عن شحنات النفط الإيراني التي كانت تصل البلاد زمن النظام البائد، ليبدو أن "الضرورة" قد فرضت على الإدارة السورية ذلك.
محلياً، تُعزز التعاملات النفطية مع روسيا المخاوف من الثمن الذي تتطلع إليه روسيا المهتمة بالإبقاء على وجودها العسكري في سوريا، خصوصاً أن الشحنات تأتي بالتزامن مع رسالة أرسلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القيادة السورية، أكد فيها التزام بلاده مواصلة تقديم الدعم لسوريا، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، بما يسهم في تحسين الأوضاع المعيشية للسوريين.
ولم تُفصح حكومة دمشق عن المقابل الذي ستقدمه، لكن غالبية الترجيحات تذهب إلى اعتبار أن ثمن النفط الروسي سيكون مقابل موافقة الدولة السورية على بقاء القواعد الروسية على الساحل السوري (حميميم)، إلى جانب الحفاظ على بعض الامتيازات التي حازتها موسكو زمن النظام البائد، مثل التنقيب عن الفوسفات.